لكثرة الضحايا، دعوني أنظّرُ في وحوش الحب، وضباع العواطف، وأسماك قرش الأحاسيس، والضحايا الموتى في الشباك! العشق هو لعبة المشاعر القاتلة، لعبة مع الشيطان. فمن يروي عطشه يدير ظهره فورًا للنبع. فكثير من قصص الغرام كاذبة، وكما قيل “لم تكن قصة حُب مُخلص على الإطلاق، ولكنها ربما كانت قصة الإخلاص في الحب”. كونك مخلصًا لا يعني أن الآخر مخلص.
رأيت كثيرين معلقين كذبيحة على مسلخ الحب، ومذبح العشق. إنه أشبه بنوم الثعبان في ذاكرة الإنسان. وكما أطلق عليه علماء النفس “التعلق المرضي”. لا يوجد شيء أمرّ وأشدّ فتكًا من العشق.
هو عبارة عن سكاكين تعزف بيانو على المشاعر المحطمة.. كل عاشق تعيس وكل محب سعيد، وشتان بين الحب والعشق، وهذه سوف أكتب عنها لاحقًا، فالعاشق مجنون، وضع قلبه على “الهاي وى” لتصدمه كل شاحنات وحوش البشر، وتجد قلبه كقطة مهروسة على طريق سريع لا أحد يسأل عنها، فالعاشق هو في كل شيء إلا الحب. هو أبعد الناس عن الحب، لأنه باختصار، أعطى “رموت كونترول” مشاعره لشخص آخر ليتلاعب به في تغيير المحطات والقنوات المزاجية التي يريد أن يعبث بها. الحب سيكولوجيا، أن تفيض بحب نفسك فإذا فاض سيملأ الآخرين حبًّا، فالظمآن من شيء لا يمكن أن يكون من أهل السواقي. منذ سنين كتبت في موضوع العشق والتعلق المرضي ونظرية “فك الارتباط” بمعنى كيف يخرج العاشق الهائم من “الرق السيكولوجي” والعبودية القاتلة، فيخرج من زنزانة الذكريات أو تلاعب المعشوق ويرمي “الأفكري” وراء ظهره، ويطير في سماء الحرية والانعتاق من التعلق المرضي لأي شيء في الحياة أكان الشهرة أم المنصب أم المال أم العشيقة. كل هذه عبارة عن زنزانات، والحر هو من يعتمد نظرية المفكر الروسي فاديم زيلاند في التوازن الكوني في تخفيض أهمية الأشياء، وتحويل الاهتمام الطاقي للأشياء إلى الصفر. بقدر اهتمامك بشيء بقدر ما تعطيه رقبتك للتلاعب بمشنقتك. وكل المشانق تهون إلا مشانق العشق. فالعاشق يشنق في اليوم 5 مرات، وأحيانًا ألف مرة حسب وحشية المعشوق، وحسب بلوغ المرض، ومدى كثافة مخدرات العشق في الدم. يقول ميكافيلي “من يلتزم بالطيبة طوال الوقت يسحقه المد الهائل من الأشخاص غير الطيبين”، قلما تجد إنسانًا لم يسقط في فخ العشق أو بئره المظلمة. ولعلّ أكثر المعذبين هم من أصابهم عشق مع المتلاعبين (الفانباير) الذين يجيدون فن ذبح المشاعر، مصاصو دماء المشاعر والمحفظة، ومن يعتبرون الحب وظيفة للكسب السريع وقلب المعشوق المضحوك عليه مجرد ATM. قيس بن الملوح ما كان يحب ليلى العمارية، بل كان يعشقها، وهذا نتيجة مرض سيكولوجي، اسمه التعلق المرضي. هو مرض سرطان المشاعر يحتاج إلى جرعات كيماوية، واقعية لإسقاط شعر رأس الذكريات وتقيؤ كل مخدرات العشق الموجودة في الدم. العاشق المعلق أو العاشقة المعلقة هم سجناء يرتدون ثياب السجن، وإن كانوا يرتدون أفخم الماركات. جروح العشق لا تعالج بماركات كوجي اودولجي اند جبانًا على أنها ضمادات، أو بالشراء العاطفي. العشق سرطان يحتاج إلى محاربة جادة كي يكسب الإنسان سعادته وإلا قد يصل لحال قيس:
قَضاها لِغَيْري، وابْتَلاني بِحُبِّها
فَهَلاّ بشَيءٍ غيرِ ليلى ابْتَلانِيا.