+A
A-

اكتشاف علم النفس المعرفي ينقذ ذوي الاحتياجات الخاصة من الشعور بالوحدة

لماذا تعتبر مسألة معرفة الذات شرطاً لنيل درجة الماجستير في علم النفس؟ وهل من الممكن التحكم بالأجهزة الذكية بفضل قوة الفكر؟ وهل يمكن القول بأن علم النفس المعرفي قادر على التنبؤ بسلوك الإنسان؟

تحدث مراسل برنامج "المستكشف الاجتماعي" في وكالة الأنباء الدولية "روسيا سيغودنيا" مع الدكتورة في العلوم النفسية تاتيانا دورونينا، الأستاذة في قسم علم النفس العام لمعهد علم النفس التجريبي في جامعة موسكو الحكوميةللعلوم النفسية والتربوية عن هذه الأسئلة.

روسيا سيغودنيا:  عند الحديث عن مصطلح "علم النفس" يتذكر الكثيرون اللوحة الجدارية المعروفة التي تظهر صورة لطبيب نفساني وهو جالس على الكرسي والمريض على الأريكة. والسؤال كيف تغيرت هذه المهنة خلال السنوات الأخيرة؟ ولماذا أصبحت هناك حاجة إلى برنامج جديد لطلبة الماجستير؟

دورونينا: علم النفس المعرفي الحديث يمكن أن يطلق عليه بحق ليس فقط تسمية علوم المستقبل، وإنما العلوم، التي تصنع المستقبل. إذ أنه لم يكن بالامكان تحقيق مشاريع في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات والواقع المعزز، لولا دراسة كيفية عمل أدمغة البشر والحالة النفسية للإنسان. تعالوا نتخيل صورة مختلفة تماماً، والتي علينا جميعاً أن نعتاد عليها قريباً. والتي تظهر كيف يضع الإنسان "غطاءً" خاصاً بأجهزة الاستشعار على رأسه ويقوم بطباعة نص على الحاسوب من دون استخدام اليدين أو الكلمات أو العين.

بالنسبة للبعض يمكن أن يكون هذا الأمر، وبالتحديد إقامة اتصال مباشر من الدماغ البشري إلى الحاسوب، عبارة عن نزوة عاطل عن العمل أوتجربة مغرية. تصور أنك مستلقي في مكان ما على الشاطئ، والهواتف الذكية تقوم بكتابة النص الذي لم ينطق به لسانك على الإطلاق، فقط لمجرد أنك فكرت فيه. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للأشخاص ذوي الحتياجات الخاصة يعتبر اكتشاف علم النفس المعرفي دولاب إنقاذ من الشعور بالوحدة، والوصول إلى عوالم جديدة ووسيلة للتخلص من المشاكل المنزلية.

روسيا سيغودنيا: للتحديد، أنتم تتحدثون عن المستقبل أم عن اليوم الحالي؟

دورونينا: لقد أصبح اليوم من الممكن التحكم بالحاسوب فقط عن طريق الفكر، وبات هذا الابتكار يستخدم في ألعاب الحاسوب. على سبيل المثال، الأطفال ذوي الحتياجات الخاصة، لا يتكلفوا عناء أكثر من دقيقة واحدة لاكتساب المهارات في التواصل مع الحاسوب. بعد ذلك، يبدأ الحاسوب بقراءة أوامر الانسان وحالته العاطفية. إذ أنه هناك برنامج خاص يقوم بمعالجة إشارات الدماغ إلى لغة يفهمها الكمبيوتر.

عملية التدريب تجري على معدات وأجهزة المختبرات الفريدة في معهد علم النفس التجريبي، وفي مركز الأبحاث العصبية لعلم النفس المعرفي، ومركز البحوث والتعليم للتشخيص العصبي البيولوجي من الاضطرابات النفسية الوراثية للأطفال والمراهقين ومركز تكنولوجيا المعلومات.

علاوة على ذلك، تم تصميم نموذج من الذراع الروبوتية، التي وفقاً لإرادة ورغبة الإنسان، يمكن أن تقوم بعمليات معقدة بحيث تتكيف مع احتياجاته بشكل لحظي. ولكن أعيد وأكرر مرة أخرى، يجب على الإنسان التعود أولاً وقبل كل شيء على الآلة، لإتقان التعامل مع هذا النظام. وأعتقد أنه في المستقبل القريب سوف ينتشر الروبوت الذكي على نطاق واسع، الذي يساعد ذوي الاحتياجات الخاصة لتناول الطعام وتنظيف الأسنان وحلاقة الذقن، بل وسوف يصبح مألوفاً. وسوف يكون خير مساعد أيضاً للأشخاص الأصحاء.

روسيا سيغودنيا:  هل صحيح أن علم النفس المعرفي يساعد على التنبؤ بالسلوك البشري؟ وما هي المجالات التي يتم استخدامه فيها؟

دورونينا:  بما أن الإنسان عبارة عن نظام معقد للغاية، فإن مثل هذا التنبؤ ليس في محله أبداً. ومع ذلك، فإن علم النفس المعرفي يساعد على شرح خصائص الإنسان الفردية، وطرق التواصل مع العالم، وكيف يبني صورته.

روسيا سيغودنيا: هل تقوم هذه التقنية الفريدة، التي تستخدم في معهد علم النفس التجريبي، بهذه المهمة بالضبط؟

دورونينا: هذه التقنية تساعد على تقييم المؤشرات الموضوعية لحالة الانسان. وهذا النوع من العلوم منذ فترة تتراوح بين 50 وحتى 30 عاماً مضت، كان يعتمد في المقام الأول على التقييم الذاتي للشخصية. فقد كانت الاستبيانات والاستمارات والمقابلات الشفوية منتشرة على نطاق واسع. ومع ذلك تم ملء الاستمارات وغيرها من الوثائق من خلال ما يدلي به الأشخاص، وهنا كان يكمن الخطر. إذ أنه في كثير من الأحيان، عندما كان المرء يتحدث بما كان يفكر ويشعر، وكيف كان له أن يتصرف في بعض الحالات، إلا أنه عن سابق تصميم أو عن طريق الصدفة، يحتفظ بشيء لا يبوح به، أو كما يقال يزين بعض ما يقول.

ما يميز هذه المعدات والأجهزة هي أنها تسمح بتقييم المؤشرات الموضوعية، التي تصف عالم عواطف الإنسان. عندما يصلب الإنسان يديه، أو رجفان الجفون، أو توتر ما تحت الذقن، أو الحواجب المقطبة. الحركات المفضلة لدى الشخص الذي يخضع للتجارب، والإيماءات التي تتكرر في كثير من الأحيان. كل هذه عناصر إلزامية لقاعدة البيانات الموضوعية، التي هي محل اهتمام علم النفس المعرفي. وعندما يجري جمعها معاً، نصبح قادرين على معرفة الكثير عن الشخص.

وهنا تأتي لمساعدة الخبراء أجهزة الكشف عن الكذب، وتتبع حركة العين، وجهاز الرأس للواقع الافتراضي والمعزز. وبالتالي من خلال تسجيل المتغيرات نمتلك المفتاح إلى ما يسمى التقييم الكمي للسلوك.

روسيا سيغودنيا: هل يمكن لطلاب منهاج الماجستير الجديد باختصاص "علم النفس المعرفي" الوصول إلى هذه المعدات والأجهزة؟

دورونينا:  سيكون هناك إمكانية لدى طلابنا الوصول إليها، على وجه الخصوص، لتعلم لغات البرمجة الحديثة، التي تتيح المجال لإقامة اتصال مباشر بين اثنين من الكائنات الذكية، الإنسان والحاسوب، وبعد نيل الشهادات، تكون الشركات الرائدة العاملة في الأبحاث المتقدمة بانتظارهم، والتي هي بحاجة ماسة إلى المتخصصين في هذا المجال، حتى أن النظام التعليمي في الجامعة يقدم الكثير من الفرص في العمل مع المعدات والأجهزة الحديثة. بالإضافة إلى ما يتمتع به حائز الماجستير في فضاء ورش العمل المختلفة وبرمجة الألعاب الذكية وتصميم مقاطع الفيديو الخاصة به.

لا تندهشي، لكن السؤال الأول الذي يطرحه طالب السنة الأولى للمعلم هو: "متى سنبدأ في إتقان التكنولوجيا التي ستسمح لنا التعرف بشيء جديد عن أنفسنا؟".

روسيا سيغودنيا: هل هم مهتمون بأنفسهم وليس بزبائن المستقبل؟

دورونينا: عندما يبدأ الشخص في دراسة علم الطب النفسي، فإن الأساليب التي يستخدمها العلم، يتم اختبارها على طالب العلم أولاً. حيث يقوم جميع طلابنا بملء بطاقات الاختبارات والاستبيانات والتجارب على الأجهزة. ويقومون بتدقيق وتحليل النتائج ويقدمون التفسيرات والإيضاحات. أي أنهم يختبرون على أنفسهم أولاً. وعندئذ فقط على سبيل المثال يختبرون الأساليب على زملائهم الطلاب. وأخيراً، يصبح بإمكانهم تقديم المشورة للزبون.

بالنسبة للطبيب النفساني، هذا الأمر مهم جداً. أياً كان الأمر فمن المحظور في مهنتنا التعامل والعمل مع الزبائن مالم يتعرف الطبيب على نفسه أولاً، ويتدرب على معالجة مشاكله الداخلية، وذلك لكي لا تنعكس على الآخرين.