العدد 2809
الخميس 23 يونيو 2016
banner
مفاجآت بشّار الأسد
الخميس 23 يونيو 2016

ليس مهمّا المكان الذي عقد فيه اللقاء بين رئيس النظام السوري بشّار الأسد ووزير الدفاع الروسي سرغي شويغو. ربّما كان المكان في دمشق نفسها او ان الوزير الروسي استدعى بشّار الى قاعدة حميميم قرب اللاذقية ليبلغه رسالة ذات طابع سري تتعلّق بمستقبله الذي صار جزءا من الماضي. لو لم يكن الموضوع رسالة ذات اهمّية ما، لما كان الوزير الروسي، وهو الرجل الثاني في النظام، قد جاء الى سوريا ولما كان قد حرص على أن يكون اللقاء مع بشّار الأسد على انفراد، أي من دون أيّ من مساعديه. المهمّ ان الشريط القصير الذي بثّه التلفزيون الروسي عن بداية اللقاء، يكشف ان رئيس النظام السوري “فوجئ” بمجيء الوزير الروسي الى البلد. تقول بداية الشريط كلّ شيء. كلّ شيء عن الزيارة في هذا الشريط القصير وفي كلمة واحدة هي كلمة “المفاجأة”. ينقل بشّار الأسد سوريا والسوريين من مفاجأة الى أخرى. لم يشبع من المفاجآت ولم يشبع السوريين والعرب من مفاجآته. تاريخ الرجل مفاجآت بمفاجآت. كان الاستثناء الوحيد وصوله الى السلطة خلفا لوالده حسب خطة مدروسة اعدّتها اركان العائلة. لكنّ هذا الحدث عائد أساسا الى مفاجأة أخرى هي مقتل شقيقه الأكبر باسل الأسد في حادث سير عند مدخل مطار دمشق مطلع العام 1994. فاجأ بشّار الأسد مواطنيه منذ توليه السلطة بأفكاره الساذجة من نوع انّه قادر على إقامة توازن استراتيجي مع إسرائيل بواسطة “حزب الله” وصواريخه الموجودة في الأراضي اللبنانية. لم يدرك انّ والده عرف جيّدا كيف يبقى على مسافة معيّنة بين النظام و”حزب الله” وذلك كي لا يكون تحت رحمته لا في لبنان ولا في غير لبنان. تظل المفاجأة الأكبر التي اقدم عليها المشاركة بطريقة أو بأخرى في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه بعد التمديد لإميل لحود الذي كان رئيسا للجمهورية. مدّد بشّار الأسد بالقوة ولاية اميل لحود الذي لم يكن سوى موظّف برتبة مدير عام في الرئاسة السورية، وذلك على الرغم من صدور القرار رقم 1559 عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، هذا القرار الذي اعتبر النظام السوري في البداية انه غير معني به، الى ان اكتشف انّه المعني الاول هو و”حزب الله” بصفة كونه ميليشيا مذهبية لا همّ لها سوى تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية. بات الآن معروفا من نفّذ الجريمة التي ادّت في نهاية المطاف الى خروج القوات السورية في لبنان. كانت النتيجة ان النفوذ السوري في لبنان صار يعتمد كلّيا على ايران. هل يمكن لشخص ان يكون بغباء بشّار الأسد حتّى يقدم على خطوة المشاركة في اغتيال رفيق الحريري غير مدرك النتائج التي ستترتب على ذلك؟ لم يدرك بشّار طبيعة ردّ فعل اللبنانيين، كما لم يدرك ان خروج قواته من لبنان الخطوة الأولى على طريق خروجه من سوريا. تفاجأ بشّار الأسد بالشعب السوري يثور عليه وعلى نظامه. لم يستوعب الى اليوم معنى وجود ثورة شعبية حقيقية في سوريا وأنّه كان عليه منذ اليوم الاوّل تجميع مليارات الدولارات التي يمتلكها مع افراد عائلته والعيش في مكان آمن مستمتعا بالثروة الضخمة التي جمعها. اختار التعامي عن الذي يجري في سوريا. كان مفهوما انّه لا يعرف شيئا عن لبنان واللبنانيين، خصوصا عن اهل السنّة في هذا البلد الجار. ولكن هل كان طبيعيا ان يكون بشّار الأسد جاهلا بسوريا والسوريين الى الحد الذي صار فيه تحت رحمة الميليشيات الايرانية داخل دمشق نفسها؟ طبيعي ان يفاجئ وجود وزير الدفاع الروسي في سوريا بشّار الأسد. المفاجأة غير سعيدة اطلاقا لرئيس النظام السوري، على العكس مما ورد على لسانه في الشريط. تبيّن انّ بشّار الأسد لا يعرف شيئا لا عن لبنان ولا عن سوريا نفسها ولا عن ايران ولا عن روسيا وقيصرها الجديد فلاديمير بوتين. لم يسأل نفسه ما الثمن الذي تريده روسيا المفلسة لقاء ارسال قوات الى سوريا وتأمين غطاء جوّي للميليشيات الايرانية وتلك التابعة للنظام عندما تجد ذلك مناسبا لها؟ لا يعرف ان بوتين صار حليفا لإسرائيل لأنّه يريد ان يحمي نفسه من الضغوط الأميركية والأوروبية. امّنت إسرائيل له هذه الحماية في وقت لا وزن سياسي لأوروبا، فيما قرّرت إدارة أوباما الاستسلام لما يريده بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي. بات نتانياهو يعتبر الجولان المحتل قضيّة منتهية، لذلك عقد مجلس الوزراء الاسرائيلي جلسة فيه قبل بضعة اسابيع. الجولان هو الجائزة التي قررها لإسرائيل المصرّة على بقاء بشّار الأسد في دمشق أطول فترة ممكنة نظرا الى انّه ضمانة اكيدة لتفكيك سوريا الى الابد وانتهاء مؤسسات الدولة فيها. في حال كان مطلوبا تعداد مفاجآت بشّار الأسد، تبدو اللائحة طويلة، بل طويلة جدّا. لم يحسن حتّى الاستفادة من الفرصة التي وفّرها له الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الذي سامحه في مرحلة معيّنة. أراد إنقاذه لعلّ ذلك يساعد في تحسين الوضع العربي. ولكن ما العمل مع شخص يظنّ ان روسيا او ايران جمعية خيرية وأنه لا غنى عنه لدى إسرائيل؟ بعد مفاجأة هبوط وزير الدفاع الروسي في سوريا، لابدّ من مفاجأة أخرى. ليس مستبعدا ان تكون هذه المفاجأة استيعاب بشّار الأسد ان رحيله اليوم قبل غد هو الأمل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا. ولكن هل يعتقد بشّار ان السوريين شعب يستحق الحياة أم مجرّد “إرهابيين” عليهم الرحيل عن سوريا؟. إيلاف.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية