العدد 2806
الإثنين 20 يونيو 2016
banner
الصدمة كشفت القناع
الإثنين 20 يونيو 2016

يكاد يكون برنامج “الصَدّمَة” افضل عمل دراميّ يعرض خلال شهر رمضان. إنه يقول باختصار على الإنسان الذي يحترم نفسه أولاً والآخرين ثانياً أن لا يتحول الى شخصٍ لا مبالٍ حيال الحالات الانسانية. ويقول ايضاً إنّ على هذا الانسان الإعلان عن موقفه بشجاعة ومسؤولية امام كل اشكال الظلم وامتهان الآخرين وأن يتصدى لأي فعل خاطئ. وفي الوقت الذي يقدم فيه البعض على اتخاذ موقف انسانيّ بجرأة وشجاعة منقطعة النظير والانحياز الى كلمة الحق مهما كان الثمن وما يترتب عليه، في هذا الوقت نرى الآخرين من الجهة المقابلة يجبنون ويترددون لأسباب ودوافع قد تكون مبررة ومفهومة من وجهة نظرهم بيد أنّها غير مفهومة ولا تقبل اي تبرير من وجهة نظر الآخرين.
 إنّ الانسان العربيّ وفي كل المواقع تقريباً ومنذ زمن بعيد أصبح للأسف البالغ منطويا على نفسه متفرجاً على الاحداث في وضع اشبه باللامبالاة وفي حالة من القدرية والاستلاب الذي قد يكون نتيجة لما يتعرض له من اضطهاد يومي وعلى كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والانسانية. ربّما لهذه الاسباب وغيرها لم يعد مستغرباً ان تتسم ردود الأفعال على ما يتعرض له هذا الفرد العربي خلال البرنامج (الصدمة) وفي الواقع من بطء وفتور ونأي بالنفس لا يتناسب وحجم الفعل على الضحية على الإطلاق.
 الحالات التي عرضها أمامنا “الصدمة” هو انه جسّد مأساة الفرد العربيّ بكل امانة وواقعية ووضعنا وجها لوجه أمام انفسنا دون تجنٍّ أو مبالغة. انّ المواطن العربي وعلى امتداد الأرض العربية - وليس فقط في الدول التي تم التصوير فيها – هو كما عبّر عنه الراحل محمد الماغوط “لا يثق بأحد ولا أحد يثق به، لا يقرع بابا ولا أحد يقرع بابه، لا يعود مريضا ولا احدٌ يعوده، لا يستضيف أحدا ولا أحد يستضيفه. لقد اصبح البشر كصناديق البريد المقفلة متجاورين ولكن لا احد يعرف ما في داخل الآخر”.
 المواقف السلبية كما تم تمثيلها دراميا من قبيل ما يتعرض له اب من اهانة من ابنه أمام مرأى ومسمع الجمهور أو يقوم ابنة بالصراخ على والدتها او تعرّض فتاة للتحرش من قبل شاب في الشارع العام ورغم طلب الاستغاثة والنجدة الاّ انّ قلّة من المارة تستجيب أمّا الأغلبية فإنها للأسف الشديد تفضل عدم التدخل في الامر وكأنّ المسألة ليست اكثر من خلاف شخصي عابر لا يتطلب التدخل والتصدي، اما الأشد فداحة هو موقف تلك المرأة كبيرة السن التي هي بأمس الحاجة لمن يسعفها من ورطتها للتبرع بقليل من المال لشراء الدواء، وإنه لمحزنٌ جدا انّ من وقف بجانبها هم قلّة بينما اتسم موقف البقية بالسلبية المفرطة وعدم الاكتراث.
 وإزاء ما كشف عنه الصدمة من ممارسات خطيرة أهمها في نظرنا عدم الشعور بالمسؤولية المجتمعية وردود الافعال السلبية واللامسؤولة فإّننا نعتقد أن هناك اختلالا واسع النطاق في معايير السلوك اليومي لدى الشعوب العربيّة يتطلب السرعة في المعالجة. لا يوجد تفسير منطقي لتصرفات تقدم عليها فئة من الناس تبعث على الاستياء وتتنافى مع القيم الانسانية ومع هذا لا تستفز أحدا ولا تدفعه الى التصدي لها.
 أمام ممارسات لا اخلاقية ولا انسانية لا يكفي التعبير عنها بنظرات الغضب أو الحزن ولا الدموع بل انّ المطلوب هو التدخل بالكلمة والفعل الشجاع لوقف كل السلوكيات اللاأخلاقية والخارجة على الاعراف والقيم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية