العدد 2800
الثلاثاء 14 يونيو 2016
banner
كفانا تشرذماً
الثلاثاء 14 يونيو 2016

 لابدّ من التأكيد على أنّ الهدف الذي تسعى له الدراما عامة هو تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية ومعالجتها بطريقة حيادية. إنّ الفنّ بمختلف اشكاله استطاع ان يخترق كل المجالات ويوصل ما تعجز عنه الكتب والمحاضرات والحوارات في سنين. وبخصوص سلفي الذي فجر جدلا واسعا على الساحة الخليجية لهذا العام فإنه يمكن القول إنه اكتفى بالإيماء لبعض الأمور الجدلية التي بقيت موضع خلاف لقرون طويلة. وبحسب الفنان ناصر القصبي قال في لقاء تلفزيوني “إنّ مشهد الطائفية البائس وحجم السعار ورد الفعل من الطرفين السني والشيعي فإنّ هناك إحساسا بالحياة والقبول. الغلاة والمتشددون يعيشون على تغذية الطائفية”. وأضاف “لو زاد الوعي بأنّ ما يجمع بين المذهبين 95 % بينما لا تتجاوز نسبة الخلاف 5 %. سنعيش مثل بقية الدول والمجتمعات التي تتعايش فيما بينها ونتسامح رغم وجود الاختلافات المذهبية والطائفية والفكرية”.
 من البديهيّ أنّ تناول قضية شائكة كالتعصب المذهبيّ ستثير كل هذا التفاعل الهائل والردود بل المدهش أنها حصدت نصف مليون تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص تويتر. وهذا ما فسره البعض بأنه يعكس حجم الشحن الطائفي في المنطقة. فالتعصب يلقي بظلاله على الحياة الاجتماعية والعلاقات داخل الاسرة الواحدة.
 تروي الحلقة قصة طفلين نشأ أحدهما في اسرة سنية والآخر في اسرة شيعية. بعد مضي عشرين عاما تقع المفاجأة المدوية التي لم تخطر على بال الأسرتين عندما تبلغهما ادراة المستشفى انّ خطأ حدث بإعطاء كل اسرة طفلها للأخرى. الصدمة كان وقعها كالصاعقة على والدي كل طفل بينما تقبلها الشابان برحابة صدر. لعل الذي اثار الكثير من الدهشة هو محاولة العائلتين السنية والشيعية العمل على تبديل مذهب ابنهما. لكنّ الشابين يحاولان اقناع اسرتهما بعدم صحة الكثير من الأفكار مما نشأ عليها.
 لم يكن الهدف الذي تسعى له “على مذهبك” العمل على تغيير قناعات الآخرين فلكل فرد قناعاته الخاصة وثوابته الفكرية بل الذي اراده من الجميع تقبل بعضهم البعض واحترام كل عقيدة. اما الرسالة التي ينطوي عليها هذا العمل الدرامي تتلخص في انّ الانسان لا يختار مذهبه وكل امرئ يولد على الفطرة كما اشار الى هذا نبينا الأكرم محمد بن عبدالله (ص).
 إنّ حلقة “على مذهبك” تعد بحق اختبارا لحجم ما يحمله كل فرد من كراهيات تجاه الآخر. وبحسب أحد المغردين، فالمتعايشون ابتسموا وضحكوا والمتطرفون ازبدوا وأرعدوا، هذا هو الوضع باختصار. الهدف الذي اعتقد أن العمل ايصاله هو تقريب الصورة بين المذهبين وكأنه اراد ان يقول للجميع يكفي ما جرى طوال قرون من خلافات ومشاحنات وآن الأوان للوحدة. بل انّ الوحدة هي قدرهما الذي لا مناص منه اذا أرادوا العيش بسلام وأمن وتقدم. إنّ الأمة عانت كثيرا نتيجة الخلافات. وهناك الآلاف ممن لا ذنب لهم وقعوا ضحية الطائفية المقيتة، والرابح الوحيد من هذه الخلافات هم اعداء الامة.
 ويبقى القول انّ الدراما التلفزيونية بالتحديد لم تعد مقتصرة على مواد التسلية والترفيه كما كانت منذ سنوات بل اصبحت اليوم أداة لمعالجة القضايا المجتمعية وإعادة صياغة الوعي وتشكيله. والبعض يطمح أن يتحول هذا الجهاز الى اداة لتوجيه الجماهير. غير انّ المعادلة اليوم امام مديري المحطات الفضائية كما نتخيلها هي في كيفية المواءمة بين التثقيف وتقديم الأعمال الراقية من جهة وجذب المزيد من الجماهير بالمواد الهابطة من الجهة الأخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .