العدد 2753
الخميس 28 أبريل 2016
banner
التدافع عند أبواب الحرية
الخميس 28 أبريل 2016

أخيراً، وضع مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة حداً فاصلاً في مسألة شكوى مجلس النواب من المغردين، واستياء عدد من أعضائه من التغريدات التي طالت أداء المجلس بشكل عام، وتناول أداء عدد من النواب بشكل خاص، خصوصاً في المسائل التي تعتبر حرجة في الوقت الأخير، ومنها “انبطّت” أكياس الحكي المتراكمة، فصار هناك ما يشبه التسابق الذي بدا وكأنه لن ينتهي في مسألة النقد، وتجاوز النقد أحياناً إلى ما يمكن اعتباره تجريحاً بحسب “الخصوصية البحرينية” التي لا ندري أيضاً أين تبدأ وأين تنتهي.
لقد كان انفتاح الناس على نقد المجلس من الأمور المتكررة منذ دورته الأولى، ومنذ التجريب الأول، إذ يمكن التذكير ببعض المسرحيات في تلك الفترة التي جسّدت بعض النواب ومواقفهم من القضايا المحلية والعالمية بشكل ساخر، وتوالت الكثير من الأعمال المشابهة، والطرق المختلفة في ملاحقة مجلس النواب المحلي، كما هو الشأن في مجالس النواب في كل مكان في العالم. فكما يراقب المجلس عمل الحكومة التنفيذية، فإن هناك من يراقبه، كما تفعل الصحافة (افتراضاً)، وكما تعمل مؤسسات المجتمع المدني، وكما تعمل اليوم وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى المجلسين، نواباً كانوا أم شوريين، ألا تأخذهم العزة المتضخمة بلقب “سعادة”، ولا الحصانة الدبلوماسية، ولا جواز السفر الأخضر، ليتنامى الاعتقاد عند البعض أنهم يسألون ولا يُسألون، وأنهم يحاسِبون ولا يحاسَبون، وأنهم فوق المساءلة من القطاعات العريضة التي اختارتهم، أو يخادعهم اعتقاد زائف بأن العضو متى ما نجح في الانتخابات يعني ذلك حصوله على تفويض “على بياض” من قبل الناس ليعمل ما يشاء لأربع سنوات من دون مراجعة أو محاسبة.
ربما كان العام 2003 حينما كانت إحدى الزميلات المستجدات في الصحافة قد أصيبت بنوع من الإحباط، وكانت على وشك أن تغادر هذا المجال إلى غير عودة، عندما تعرضت مقالاتها البضّة في تلك الفترة إلى نقد لاذع، صبّ أكثره ليس على ما في المقال من أفكار، بل على شخصها، وكيف أنها تتناول مواضيع لا تتناسب مع وضعها الاجتماعي، وكذلك وضع أسرتها، وهذا ما أزّمها. فأذكر من جملة ما قلته لها بأن الناس مستورون لا أحد يدري ما الذي يدور في خلدهم، وما الذي يفكرون به، وكيف يرون العالم والقضايا صغيرها وكبيرها، وبالتالي لا أحد يدري عنهم، ولا يلتفت إليهم. ولكن من يختار أن يعرض نفسه، وأفكاره، وأحلامه، وأمانيه، ومعالجاته، على الملأ، فسيكون عرضة للسهام، ولو كلٌّ منا استكان إلى الانطواء على نفسه، والتقوقع فيها، لما تمازجت الأفكار، وتولّدت أفكار جديدة وبرّاقة، وربما أحياناً تجيء من هذا التلاقح أفكار بائسة، ولكنها في كل الأحوال لا تتخثر، ولا تقف راكدة آسنة في محيط رأس الفرد وحسب.
لا أدري ما إذا كان لهذه النصائح وقع على الزميلة التي هي اليوم واحدة من البارزين جداً في مجالها الصحافي، ولكنها آمنت بأن ما تعمله هو الصواب، بصرف النظر عما يفكر فيه الآخرون وكيف يرونها، لأنها إنمّا تعمل ما تراه صواباً، ولو كانت تعمل إكراماً للخواطر لانتهى اسمها. أي أنها أقنعتهم بصوابية توجهها.
وكذا أعضاء مجلسي النواب والشورى، الذين إذا ما رأوا أن ما يعملونه صواباً، وأن قراراتهم مبنية على دراسات، وأن مواقفهم نابعة من أسس تم اختبارها، وأنهم شاوروا واستشاروا، وقلّبوا الأمور على أوجهها، واستمزجوا آراء الناس، وتكوّنت لديهم القناعات التي تطمئن إليها نفوسهم، والتي أجمعت عليها جلّ الأفكار والرؤى، والتي يمكنهم الدفاع عنها، وإقناع ناخبيهم بها عبر التواصل الذي هو اليوم مفتوح لهم أكثر مما كان بمراحل من تلك القنوات التي كانت متاحة للدورات السابقة، بحكم التطور التكنولوجي، وإدارة الحوار معهم؛ فإنهم بذلك لا ينطقون عن الهوى، بل آراء ومواقف شدّ بعضها بعضاً ببناء متينٍ مُحكَمٍ متصاعد ومتبادل بين النائب وجميع الأطراف السابق ذكرها، ومن هنا سيكون من الصعب الضغط عليه بهذه الطرق التي جرت في الآونة الأخيرة.
إلا أن مواقف مجلس النواب، على وجه الخصوص، إزاء حرية التعبير، وهو الآتي عن طريق الديمقراطية وحرية التعبير، والاختيار الحر؛ تبدو ملتبسة منذ سنوات مضت، خصوصاً مع قانون الصحافة الذي كان يتيح مجالاً أفضل للحريات أمام الصحافي، وأمام الرأي العام، وكان هذا القانون مصدر معارضة في مجلس النواب تحديداً، ما عرقل صدوره سنين عديدة، ودورات مديدة، ولا يزال يطل برأسه حيناً، ويضرب على أم رأسه ليغمى عليه حيناً من الدهر، وكلما تغيرت إدارة وزارة الإعلام وعدت بقانون عصري للصحافة، وهذا ليس هيّنا على النواب. فالنواب الذين وقفوا أمام هذا القانون لم يكونوا يفرّقون بين الخطأ الذي قد يقع فيه الإعلامي بسبب ممارسته مهنته، كما لم يفرّقوا اليوم بين الإنسان العادي الذي يعبّر عن رأيه، وموظف الحكومة الذي كأن على فكره قيدا، أو أنه عبد للوظيفة عليه ألا يبدي رأيه في أية مسألة.
مجلس الوزراء قال إن تعبير موظفي الحكومة عن رأيهم في قضايا مختلفة، منفصل عن رأي الحكومة، ويدخل في حرية التعبير، وهذا سدٌّ لباب من يحاولون أيضاً أن يكمموا أفواه موظفي الحكومة عن الكتابة الصحافية بوصفهم يمثلون مؤسساتهم، وهذا في حد ذاته اعتداء على حرية التعبير التي لا نصدق أن تنفرج قليلاً حتى يأتي من ائتمنوا على الحريات، والذين وصلوا بالحريات، ليضيّقوها على المجتمع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .