العدد 2111
السبت 26 يوليو 2014
banner
داعش والجزية (2) آزاد إسكندر
آزاد إسكندر
السبت 26 يوليو 2014

ماذا يحدثُ إذا لم يدفع “أهل الذمة” الجزية المستحقة عليهم؟ يجيبنا الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية)، باب وضع الجزية والخراج، فصل فيما يُشترط في عقد الجزية: “وَإِذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ كَانَ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ... وَإِذَا نَقَضَ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَهْدَهُمْ لَمْ يُسْتَبَحْ بِذَلِكَ قَتْلُهُمْ وَلَا غُنْمُ أَمْوَالِهِمْ وَلَا سَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَوَجَبَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ آمِنِينَ حَتَّى يَلْحَقُوا مَأْمَنَهُمْ مِنْ أَدْنَى بِلَادِ الشِّرْكِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا طَوْعًا أُخْرِجُوا كَرْهًا”. وهذا في الحقيقة ما قام به رجال الخليفة المزعوم ما عدا أنهم تجاوزوا الحد بسلب أموال المُبعَدين!
الجزية استمر تطبيقها في العصور الإسلامية كلها حتى أوقف العثمانيون العملَ بها في النصف الثاني من القرن التاسع العشر. فكيف ندَّعي أنها ليست من الإسلام في شيء؟ أما الأحاديث النبوية والوصايا في مراعاة “أهل الذمة” فإنما يستحقها “الذمي” مادام ملتزماً بعقد الذمة وشروطها ومنها دفع الجزية كما سبق ذكره.
نعم هنالك اجتهادات كثيرة معاصرة رأت إسقاط الجزية عن المسيحيين في “الدول الإسلامية” الحديثة، غير أن مشكلة الاجتهادات أنها تحتملُ الأخذ والرد. مقابل كل تفسير وتأويل هنالك تفسيرات وتأويلات أخرى مضادة، ولكلٍ ما يؤيده من نصوص وأدلة. لهذا فإن “المعتدلين” و”المتطرفين” يستطيعون دائماً تبرير مواقفهم من القرآن والسنة وكتب الفقه دون عناء كبير. لنأخذ مثلاً الاجتهاد القائل إن الجزية تسقط في العصر الحالي لأن المسيحي يشتركُ في الدفاع عن وطنه إذا دعت الضرورة كالمسلم بالضبط. يستند هذا الرأي على أن الجزية هي بدل عن الحماية والمنعة، بمعنى أن “أهل الذمة” كانوا يدفعون الجزية بدلاً عن الاشتراك في الدفاع عن “أرض الاسلام” ونظير دفاع المسلمين عنهم. لكن المشكلة هي أن علة فرض الجزية مسألة خلافية، فمن الفقهاء من قرر أنها بدل عن القتل، ومنهم من قال بل هي بدل عن الكفر، ولكل قول أدلته. وهكذا يمكن لأيٍ كان أن يعتمد على أحد هذين القولين الآخرين ليخرج بنتائج معاكسة.
وما الذي فعله الخليفة الجديد سوى أنه أحيا النصوص التي في الكتب، ولكن ما كان لأمثال هؤلاء أن يجدوا موطئ قدمٍ لهم بيننا مهما كان من يقف خلفهم، لولا أن أرضنا خصبة وجاهزة لزراعة التطرف. “داعش” هي بمعنى ما بضاعتُنا رُدَّتْ إلينا. التراث الإسلامي مليء بنصوص هي المادة الخام التي ينسجُ منها المتطرفون، وما جرى في الموصل هو في العمق نتيجة تقديسنا الأعمى لهذه النصوص، تقديس التراث الديني متغلغل بشدة، في التربية والتعليم، والإعلام، والقانون وفي كل تفاصيل الحياة. ومادمنا لا نعالج مشكلة التطرف في مجتمعاتنا من جذورها، فستبقى معضلة الأصولية الإسلامية بلا حل. نحن لسنا بحاجة إلى تأويلات واجتهادات، بل نحتاج إلى بناء مجتمعات لا تضع التأويلات فوق الإنسان.

إيلاف

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .