العدد 2111
السبت 26 يوليو 2014
banner
الإخلاص والولاء للوطن... كيف يكون؟ أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
السبت 26 يوليو 2014

يمثل الإخلاص والولاء للوطن أسمى مقاصد الإنسان السوي أياً كان انتماؤه، فمن لا يجمعه بالأرض التي ترعرع على ثراها، والقيادة التي رسمت مستقبله من خلال إدارتها للمجتمع ولاء وانتماء، فإنه يكون إنساناً منقوصاً تعتريه الكثير من التوجهات السلبية التي تحرمه من تمتعه بإنسانيته التي اقتضت روح الانتماء لديه.
كثير منا يدعي الإخلاص والولاء للوطن، ولكن عندما توجه له سؤالاً بسيطاً حول الكيفية التي يكون بها تحقيق ذلك، فإنك تجده يتلعثم ولا يستطيع أن ينظم لك جواباً، حتى وإن أبدع في حسن التعبير لك بهذا الجواب فإنه قد لا يكون نابعاً في مضمونه من وجدانه وقناعته، وذلك إما لسوء في التصور لمفهوم المواطنة، وإما لقصور في الفهم، وإما لعدم إدراك لخلفيات المسائل المرتبطة بأبعاد المواطنة الإيجابية الحقة.
إن الولاء للوطن كدلالة لها مفهوم يرتبط في تفاصيله في كثير من الأحيان بما ينشأ عليه الإنسان من ثقافة، وما يوجهه إليه والداه اللذان يفترض أن يكونا العنصر المؤثر الأبرز في تكوين وجدان الطفل وقناعاته وتوجهاته التي تتلخص في نظرته للحياة، فمتى كان الإدراك لدى الوالدين متكاملاً لمفهوم المواطنة والولاء للوطن، فإنهما سيزرعانه في قناعة الطفل وثقافته لينقلب سلوكاً مؤثراً في حياته، ومتى ما كانت المفاهيم مغلوطة لديهما فإنه لا محالة سيتأثر الطفل بهذا التوجه لدى والديه.
إن الولاء للوطن والإخلاص له يرتسمان من خلال شعور وسلوك، وروح ومادة، ولا يمكن أن ينفصل أي من الأمرين عن الآخر، فمتى تولد في الإنسان حب الانتماء لهذه الأرض بقيادتها ومن يعيش عليها، فإنه سينعكس من خلال معطيات سلوكه تفاصيل تعكس هذا السلوك في الجملة والتفصيل في حياته، فمن يحب وطنه ويخلص في هذا الحب تجده يتفنن في بذله وعطائه لهذا الوطن الذي ينذر من أجله الغالي والنفيس.
إن التفنن في حب الوطن والبذل والعطاء له أمر لا يتقنه كثير من الناس، ويستقر في قناعاتهم ضمن نطاق ضيق لا يتسع أفقه، ولا يرتفع مقامه، ويقع ضمن نطاق سفاسف الأمور، فحب الوطن والإخلاص له لم يكن مقتصراً في يوم من الأيام على قصيدة تغنى، أو شعر يلقى، أو كلمة خطابية... إن كل ذلك لا يتجاوز كونه تعبيرا عن الحب للوطن، وبعد أن يعبر المواطن بذلك عن حبه فإنه يبقى الأهم من ذلك بجهود صادقة لبناء وطنه، حيث يتحقق ذلك من خلال إثارة سؤال في وجدانه... كيف أكون لبنة صالحة في بناء الوطن الشامخ؟
لا ينبغي أن تفهم الأمور إلا ضمن إطارها، ولا أن تتحقق الأهداف بمعزل عن مقاصدها، وهناك الكثير من المعطيات التي تمثل ثوابت وطنية ينبغي أن تكون مستقرة في وجدان المواطن المخلص المثابر الذي يعتقد أن الإخلاص لا يكفي، وأن التعبير عن الحب لا يكفي، وأنه ينبغي أن يقترن الأمران بالعمل والسلوك والبذل، وأن تكون هناك أدلة ملموسة ومحسوسة يستشعرها المرء ليتلذذ بمواطنته التي يدعيها، حتى إذا رحل عن هذه الأرض التي دفن فيها، فإنها تحتضنه في باطنها كما كان يكافح لرفعتها ومكانتها من خلال أي منبر قد اعتلاه عندما كان حيا يرزق يمشي عليها.
ثم إن البذل كل البذل، والعطاء كل العطاء للوطن بالإخلاص والولاء ينبغي أن يرتبط في مختلف المقامات والمقالات ببعد تعبدي، فالدين الإسلامي تكلم عن مفهوم المواطنة وراعى مشاعر الانتماء للوطن لدى الإنسان وحظ عليها، بل وشرع الجهاد في سبيل الله دفاعاً عن الأرض وصوناً لها وحماية لإقامة الدين والشرع فيها.

زبدة القول
لا يمكن قصر الوطنية والإخلاص للوطن والولاء ضمن نطاق التعبيرات اللفظية أياً كانت القوالب التي تنسكب فيها، فالمواطنة بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن تقترن بشعور وسلوك يتحقق من خلاله النفع في سبيل رفعة الوطن من خلال جهود ملموسة ومؤثرة ونافعة للبلاد والعباد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .