العدد 6116
الأحد 13 يوليو 2025
banner
خربشة ومغزى.. "الأندلسيون والكنيسة... عِبْرَةُ تاريخ لا تُنسى"
الأحد 06 أبريل 2025

الأندلسيون والكنيسة عبرة تاريخ لا تُنسى، مقال تابع لسلسلة سابقة، موضوعه كثرت فيه مرويات ومؤلفات عربية وأجنبية. وبدأ الأمر فيه حينما سُلمت زعامة غرناطة من قبل آخر ملوك الطوائف أبو عبد الله محمد الثاني لفرديناند وايزابيلا ملوك قشتاله وأراجون (مملكة شرق آيبريه) وذلك في 2 يناير 1492م، يوم سجلّ التاريخ فيه سقوط الأندلس، منتظرا مأساة وحكاية الاضطهاد التي لعبتها الكنيسة القشتالية، رغبة في تحوّل الأندلسيين إلى كاثوليك حيث أخذت تمر بدءً بمحاولة الإقناع وقبول التنصر، ثم تبعها ترغيب بمال وهدايا ووعد بعيش آمن، وانتهت بترهيب مصادرة الأرض والحرية، وسجن وحرق من خلال محاكم تحقيق.

الدارس لذلك التاريخ يجده مثابة ملحمة، رسمتها مواجهة جدلية كاثوليكية مع الأندلسيين، أبطالها كنسيون يعرفوا العربية، ارتطموا بثبات أندلسي منع القشتاليون من تحقيق أهدافهم، مما جعلهم ينتقلوا إلى مخطط استئصال لم يشهد تاريخ أوربا والعالم آنذاك أبشع منهم في صور التعذيب والإهانة الأدمية. 

وعبر التاريخ الإنساني تأكد أن الاضطهاد الديني لم يحقق خلع جذور لذلك الانتماء، بل يُحفز ثبات وثقة ومقاومة. هكذا دروس الماضي البشري التي سجلها التاريخ القديم والحديث. وما فعل الرومان في الذاكرة التاريخية إلا مثلا يُذكر، حينما اضطهدوا المسيحيين الأوائل، فأحدث أثرا معاكسا إذ فتح باب طريق إلى نصرنَة الإمبراطورية الرومانية.

الأندلسيون تجاه محاولة الاستئصال تحفزوا لبناء شبكة سرية ذكية عملت على تعزيز الشعور الديني الإسلامي وتبادل المعلومات والكتب الدينية. وهذا كان رد فعل بعد عام 1567م حينما أُصدر مرسوم مُنع فيه استخدام اللغة العربية منعا باتا، وكذلك فرض أتقان التحدث بالقشتالية خلال ثلاث سنوات، ومنع الوضوء على الأندلسيين بما في ذلك دخول حمامات عامة للتحمم حتى لا يتوضؤوا.

وهكذا أستمر تدرج المراسيم لتشمل؛ وجوب إتمام مراسم الزواج والولادة والموت وفق طقوس الكاثوليكية.

وحظر الختان حظرا تاما لأي سبب. 

أما دفن الموتى فيكون في نعوش مغلقة وفق طقوس قشتالة.

وفرض حضور قابلة قشتالية مسيحية ولادة أطفال الأندلسيين.

وبهذه المراسيم والضغوطات خرجت الكنيسة عن تقاليدها الأصلية التي تمتعت بها كنائس أوربا منذ قيامها.

فماذا كان ردة الفعل؟ هو تجاهل معظم الأندلسيون المراسيم الذي أستمر مع السلطات القشتاليه لأنه لا جدوى من التفاوض مع السلطات الحاكمة لإعادة النظر في هذه القوانين. فإذا أحتفل الأندلسيون بقران في الكنيسة كانوا يعودون إلى بيوتهم ويتابعون احتفالهم على طريقتهم. وإذا عمّدوا طفلا عادوا إلى البيت وغسلوا رأسه وأذنوا في أذنه. وإذا حان أجل أحدهم كانوا يخفون الأمر عن الكنيسة ويصلّون علية بعد موته ثم يذهبون إلى الكنيسة، ويقولون إن قريبهم مات على حين غفلة، ولم يتمكنوا من استدعاء القسيس في الوقت المناسب. 

كان لدى السلطة تقارير عن هذه المخالفات، ولكثرة تراكمها دخل الطرفان مرحلة صدام تصاعدت حدته بسرعة. عندها تمت سياسة الإكراه على الكاثوليكية وأتباع المراسيم بدل الاقناع، وازدادت حينها مصادرة أراضي الغرناطيين، وأُتبعت أساليب لتجريد شعب كامل من مقوماته التي فاقت الحد. قامت خلالها ثورات وحركات من الأندلسيين طالت كثير من مدنهم وكانت فيها سجال مع الإفرنج ذهب فيها خلق كثير.

عهد الملك فيليب الثاني الذي حكم إسبانيا خلال 1556-1598م حدث انتقاما من الثورات الأندلسية، وأسبغ فيليب الثاني الشرعية بمرسوم ملكي على عمليات جنوده في السبي والنهب وحرق القرى، وشجع كذلك قادة الجيش الجنود على ذبح الرجال والنساء والأطفال، وترحيل الأندلسيين المدنيين من الجنوب الإسباني خصوصا غرناطة إلى قشتاله ومصادرة كل ممتلكاتهم. وبانتصاف عام 1571م انطفأت شعلة المقاومة الأندلسية التي استشهد فيها نحو 20000 أندلسي وأندلسية، وربما كان عدد جرحاها ثلاثة أضعاف. هذا الرقم فيما طاولت الإعدامات والاستبعاد والشغل في السفن الإسبانية في أعالي البحار عشرات الألوف.

يعتبر عهد الملك فيليب الثاني الأقسى في تاريخ الإفرنج، إذ بلغت محاكم التطهير العرقي الديني ذروتها والتي سُميت تاريخيا محاكم التفتيش، ولم يسلم منه كذلك النذرلاند الهولنديون، إذ أحدث عندهم ثورات لتعصبه لكاثوليكيته، وحروبه كذلك ضد إنكلترا والعثمانيين، وضم هو البرتغال إلى اسبانيا عام 1580م. 

وبعهده تم نقل البلاط الملكي من طليطلة إلى مدريد عام 1561م التي أُستقبل الجنود فيها استقبال الأبطال، والإسبان يذكروا له فضل بناء الاسكوريال التي تعد من أهم الصروح الملكية في أوربا لضخامتها ومحتوياتها الفنية ومكتبتها الشهيرة التي ورثت ما تبقى من مكتبات الأندلسيين. 

وإلى مقال لاحق "موقف البابوية من اضطهاد الأندلسيين".

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية