العدد 5834
الجمعة 04 أكتوبر 2024
banner
خربشة ومغزى.. "الجزيرة العربية.. عراقة وشموخ.. وجاذبة للغير"
الأحد 24 سبتمبر 2023

الجزيرة العربية موطن عريق للعرب عُرِفت باسمهم، فيها شموخ قبائل ومحامد، وفصاحة وصباحة، وتضاريس تطرزت لا مُنتهى لوصفها، فيافيها مُلهمة، انطقت الرحالة البريطاني ويلفريد ثيسيجر في كتابة الرمال العربية Arabian Sands؛"ما هزني مكان من هذه الامكنة، ولا راعني منظر من هذه المناظر، او أثر في شعب بقعة من البقاع التي زرتها، كما فعلت صحراء شبة الجزيرة العربية". جزيرة فيها اقوام لهم ممالك، وآخرون هاجروا منها تصايحت حضارات التاريخ القديم بسردياتهم. شعوب الجزيرة تلبس وصف لهم له جدل علمي أنهم ساميون، بدأ هذا حينما ابتدع اللغوي الألماني شلوتسر Schlzer أواخر القرن الثامن عشر الميلادي سنة 1781م على فصيل لغات اسماها اللغات السامية Semetic Languages )، لما للاحرف والنطق فيها تقارب، وكان هذا خاص للمشتغلين بفقه اللغة الفيلولوجيا ليميزوا فصيلتها عن غيرها. سرعان ما تعدى المعنى عن حدود الدرس اللغوي لتصبح دلالته عِرْقية إثنوجرافية بمفاهيم السلالات الأنثروبولوجية، وأصول الجماعات الانسانية تبعا للمذكور في صحيفة الأنساب الواردة في الإصحاح العاشر من سفر التكوين (الآيات من 21الى 31) التي اوردت ان أشور وآرام وعابر(العبريون يقولوا انه ابوهم)، وشمل هذا أبناء سام بن نوح حسب المرويات. شاع هذا المائة سنة الاخيرة، وتكرَّس في الثقافه والاعلام والتدوين التاريخي. هنالك من الباحثين رجح مصطلح اللغات الجزرية والأقوام الجزرية بدلا من اللغات السامية والساميين.

 

الكتابات المسمارية 
ذكرت العرب منذ أزمان سحيقه، ففي اوائل الالف الثاني قبل الميلاد وجد نقش للبابليين وَهوَ اخضاع ملكهم "نرام سين" بلاد "مجان" التي هي في الأصل بلاد "معان" العربيه التي تقع في أقصى الحجاز شرقي خليج العقبه، وكذلك نقوش اخرى تذكر سنة 854 ق.م امير عربي اسمه "جِنْدِبُو" (جُندُب)بالعربية تحالف مع الآراميين غرب نهر الفرات ضد الامبراطور الاشوري سلمانصر الثالث، ونقوش اخرى تذكر ملكة عربية تدعى زبيبة حكمت قيدار وعاصمتها دومة الجندل الجوف حاليا، خَلفت الملكة شمس في المئة الثامنه قبل الميلاد عاصرت سرجون الثاني. الكتاب المقدس التوراة يذكر العرب في اكثر من موضع، وانه لهم ملوك وممالك في البادية ولهم تجارة مزدهرة، وذلك حينما خاطب النبي حزقيال (احد أنبياء بني اسرائيل عند اليهود) مملكة صور الفينيقيه قائلا:
"العرب وجميع رؤساء قيدار يتجرون معك في الضأن والكباش والماعز بهذه الأشياء، تعاملوا معك تجار سبأ وراعمه يتجرون معك بكل عطر طيب، وبكل حجر كريم، وبالذهب أقاموا أسواقك"، وتذكر التوراة كذلك قول حزقيال؛ 
"أن هؤلاء العرب يوصفون بأنهم رعاة يسكنون الخيام، ويكثر فيهم المتربصون على طرق القوافل".النصوص المسمارية والعبرية تذكر ان العرب لم يكونوا جميعا في حالة بداوة تامه، بل هنالك سهول وسواحل مكنت العرب من انشاء ممالك. مملكة حضرموت ورد ذكرها في سفر التكوين من التوراة الاصحاح العاشر وكذلك سبأ ومعين. معين هي في شمال اليمن وسبأ في الجنوب. 

 

الباحثون 
يذكرون ان بدو الجزيرة العربية هم الحفظة الأصليون للغة العربية الأصلية قبل ان تتبلبل السنتهم، وذلك لان البدو العرب حافظوا على استقلالهم داخل صحرائهم المترامية الأطراف لم يصل اليهم محتل او غاز، ولم يختلطوا بأحد لذا دامت لغتهم نقية. هكذا وصف  المستشرق الامريكي أولمستد المُتوفى عام1903م، "ان البدو العرب كانوا اول من تكلم اللغة السامية على حقيقتها" وسانده المستعرب الانكليزي فيلبي المُتوفي عام 1960م؛"ان اللغة العربية التي يعترف الخبراء في كونها اقرب من جميع اللغات السامية الى اللغة الام الأصلية التي اشتقت منها جميع هذه اللغات هي على اغلب الاحتمالات اقدم لغة في العالم ما زالت حية حتى يومنا هذا".

 

الجزيرة العربية 
كنز أثار تحتوي على ألوف من النقوش العربية القديمة غير المقروءة، والجزيرة متحف مفتوح كما يقول علماء الآثار، وجبالها وصخورها ووديانها كتاب سطره الأوائل له تدبر يضفي لما جاء من مصادر بابلية ومصرية وآرامية وعبرية ويونانية ولاتينية.

 

المستشرقون 
جذبتهم الجزيرة العربية بتراثها وموقعها، فمنذ القرن الثامن عشر ميلادي سنة 1760م ، زار الجزيرة العربية الرحاله والعالم الرياضي ورسام الخرائط كارستن نيبور الألماني الأصل، وكان  ضمن فريق دنماركي علمي برعاية ملك الدنمارك فردريك الخامس .رحلة الاستكشاف هذه شملت مصر والعراق بالاضافة للجزيرة العربية، كتابات نيبور نالت قيمة تاريخية ومرجعية عند الباحثين. تبعها مدوَّنة الرحالة الفرنسي كونت دو فولني عن قبائل الجزيرة، في كتابه رحلة الى مصر وسورية عام 1787م ثري المعلومة.
المستشرق الاسباني باديا ليبليخ جاسوس كتالوني ومخبر نابليون زار الحجاز ومكة عام 1807م، وانتحل اثناء تجواله اسم علي بك تُوفي في دمشق، وقد عاصر المستشرق باديا في عام 1818م نهاية الدولة السعودية الاولى وما حصل من احداث في الحجاز ونجد حينها، وقد جمعت اسفارة في العالم العربي في مجلدين بمسمى Travel of Ali-Bey، وما كتب يعتبر في ملابسات ذلك الزمن له قيمة عند المحلليين.

 

بور كهاردت 
رحالة بارز سويسري وصل للحجاز عام 1814م، وأفاض في كتاباته ذات الطابع الغزير عن الحجاز ونجد، ويعتبر مرجع مهم عن الجزيرة العربية في نظر المستشرقين. وكذلك كتب الباحث الأثري الانكليزي دوتي عن تجواله في شمال نجد والحجاز عام 1876م، وامتاز بأسلوبه الادبي الغني .  

 

شارل هوبير 
هو رحالة مستكشف فرنسي زار نجد والحجاز عام 1878م، وكذلك عامي 1883م و 1884م، حيث قُتل أثناءها قرب جده، ويعود له استكشاف مسلّة تيماء اثناء زيارته لمنطقة تيماء التابعة لتبوك، والمسلّة من الحجر الرملي عليها نقش يعود للقرن الخامس قبل الميلاد للصنم صالم مكتوب بالآرامية، وهي الان بمتحف اللوفر باريس، ويعتبر هذا الاكتشاف له قيمةً تاريخية فتحت دراسات تالية. 

 

اما الرحالة الانكليزي 
ويلفريد بلنت وعقيلته الليدي آن بلنت فزارا بادية الشام وجبل شمر عامي 1878م و 1881م. حيث وصفا الرحلة في كتاب رحلة الى نجد، وكانا لهما اهتمام بسلالات الخيول العربية، وكان ذلك إبّان حكم آل رشيد ، ونأخذ بعض ما كُتبوا في وصف جبل شمر؛ "كان المنظر من أمامنا جميلاً يفوق الوصف، سهل كامل الاستواء، يتدرج في الارتفاع، ومنه تنبثق هذه الصخور والتلال كجزائر، ومن ورائه الجبال القرمزية اللون قريبة منا الآن، ذات طرف منيف كان هادينا لعدة ايام، تشمّخ على الجميع، إن معالم جبل شمر لها روعة غريبة، ترتفع مُكونة ذرى وقبابا، تاركة هنا وهناك كوة تستطيع من خلالها أن ترى السماء، أو صفاة عجيبة جاثمة وكأنها صخرة تتدحرج على خط السماء".
ومن الذين كتبوا عن الجزيرة العربية الضابط الروسي عبدالعزيز دافليتشين اواخر القرن التاسع عشر ميلادي الذي زار عام 1898م الحجاز وحج وكان له دور إيجابي لمسلمي روسيا. ولا بُدَّ ان يُذكر اوبينهايم المستعرب المستشرق الالماني تجول في تسعينات القرن التاسع عشر ميلادي في بادية الشام ،وكتب عن البدو بمن فيهم جزيرة العرب ثلاثة مجلدات. وقد اثرى ابوبينهايم المكتبة بعديد مؤلفات لها قيمة علميه للدارسين . 

ومن المهتمين كذلك فليبي وديكسون، الذين مكثوا في الجزيرة العربية ودرسا جغرافيتها ومجتمعها. جون فليبي بدا حياته العملية ضابطا في الجيش البريطاني الهندي ثم في عام 1917م التحق بالجيش البريطاني بالعراق، ثم ممثلا سياسيا لبريطانيا عند الملك عبدالعزيز، ثم اصبح مندوبا سياسيا في شرق الاْردن وفي عام 1925م ترك الخدمة الرسمية في الجيش البريطاني، وأقام ببلاد الحرمين واسلم ورافق الملك عبدالعزيز، وكتب مذكرات عن رحلاته ذات اعتبار ومرجعية تاريخية.   

وأما ديكسون فكان ممثلا سياسيا في إمارات شرق الجزيرة، ثم مندوبا سياسيا بالكويت، والف كتاب عرب البادية ذاكرا رحلاته في المناطق الوسطى للجزيرة، وكذلك كتاب الكويت وجاراتها واصفا القبائل البدوية والحياة الاقتصادية. كلا الكتابين فيهما اثراء معرفي ونقدي.

 

لورنس
هو كذلك مستعرب مستشرق بريطاني اسهم بتخطيط وإدارة معارك عرب الحجاز وشمال الجزيرة ضد الاتراك. وما كتبه يحكي دوره وما قام به اتسم بغرور النّزعه وثعالبي الأسلوب في كتاباته. ومن المستشرقين العالم التشيكي موسيل الذي زار في اواخر القرن التاسع عشر والى عام 1917م شمال الجزيرة، حيث كان يؤدي مهمة الأركان العامه النمساوية المجرية في جبل شمر .

 

اما المستعربة البريطانية 
هير ترودا بيل، التي كتبت عن رحلاتها في الجزيرة العربية، وكان لها دور في خدمة التاج البريطاني. وكذلك توماس المستشرق البريطاني كتب عن رحلاته عن وسط وجنوب الجزيرة في عشرينات القرن التاسع عشر ميلادي وهي ثرية الوصف. وهنالك كتابات اخرى عن الجزيرة للرحاله الانكليزي سيبروك ،والقنصل الهولندي في جده فان دير ميولين، وغلوب الانكليزي، ولو ريمير الموظف في الادارة البريطانية الهنديه نشر عام 1908م في مؤلف ضخم سجل الأحداث في الخليج وعمان ووسط الجزيرة. وهناك الكثير من المستشرقين يطول إحصائهم نذكر منهم امثال؛ رالي وس، وزويمير وهوغارت، وكيرنان وبيرين، وكذلك المستعرب والباحث الروسي اليكسي فاسيليف في مدونته المميزه في تاريخ العربية السعودية.

 

الجزيرة العربية 
في عراقتها ومقوماتها ومكانتها جاذبة للدول والأمم، وتشكل نواة لكثير من الاستراتيجيات التي تطال مصالحها واسع جغرافية في هذه المعمورة.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .