تتمّة لما تمّ تناوله في المقالة السابقة من شرح لأقسام الصناعات الإبداعية ومجموعاتها (وفئاتها)، وفيما يلي موضوعات جديدة تتطرَّق إلى متطلّبات تعزيز الصناعات الإبداعية؛ ومقوّماتها؛ وعوامل نَجاحها.
متطلّبات تعزيز الصِّناعات الإبداعيّة
تواجه المجتمعاتُ النامية جملةً منَ التحديات في سبيل توطين الصناعات الإبداعية عبرَ مجموعة منَ المتطلّبات الجوهرية، والتي تتمثَّل فيما يلي:

1. الاستثمار في التعليم، ورأس المال البشري.
2. توفير أو تحسين البيئة التحتيّة الرقميّة.
3. تعزيز استراتيجيّات إدارة الأصول الثقافية والتنمية الثقافية المجتمعية.
4. دعم وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة المرْتبطة بالصناعات الإبداعية.
5. العمل على جمع البيانات اللازمة منْ أجلِ تعزيز فهم حجم الصناعات الإبداعية الوطنية، وأهميّتها، والروابط الناشئة عنها، والإلمام بالدور الذي يؤدِّيهِ القطاع الخاص غير الرَّسمي؛ تعزيزًا لفهم واضعي السياسات ومتَّخِذي القرار.
6. إنشاء عناقيد إبداعية يُمكنُ أنْ تجمع بين المشاركين في القطاعيْن الحكومي والخاص المرتبط بالصناعات الإبداعية.

مقوِّمات الصِّناعات الإبداعيّة 
إنَّ أيّ صناعة لابدّ لها من مقوِّمات (وعناصر) تعكس في مجملها بنية وهيكل هذه الصناعة، والصناعة الإبداعية بهذا المفهوم لها مقوِّماتها (وعناصرها) التي تشكِّل في مجملها بُنية موحَّدة لها خصائصها المنفردة، ومنْ أهمّ مقوِّمات (عناصر) الصناعات الإبداعية ما يلي:

• المادة الخام: كلّ ما قدَّمهُ ويُقدِّمه العقل البشري من أفكار ومعلومات ومخرجات إنتاجه الفكري الفردي أو الاجتماعي، ونتاج المعرفة التي حصلها من حوله.
• وحدات الإنتاج: الإطار المؤسسي والتنظيمي الذي يتولَّى شراء الإنتاج الفكري وإعادة معالجته وتسويقه، فهي تهتم بتنظيم وتنفيذ عملية التحويل الصناعي (أي العملية الإنتاجية) كالمزارعين؛ الناشرين؛ والشركات التي تقوم بعملية الإنتاج.
• أدوات وأساليب الإنتاج؛ وسائل المعالجة؛ وعرض المخرجات: تشمل عمليات معالجة المحتوى الرقمية والتحويل والإضافة وتطوير البرمجيّات، وتشمل التجهيزات التقنية لعملية الإنتاج كأجهزة الحواسيب، البرمجيّات، شبكات المعلومات، وأجهزة ووسائط الإنتاج والنشر الإعلامي.
• العنصر البشري: كغيرها من الصناعات تحتاجُ للعنصر البشري من الفنانين والمبدعين والمتخصصين والمدربين، ولكن فرقها عنْ غيرها أنّها تعتمد على الإبداع بدرجة أساسيّة، ومنْ ثمَّ لا تكفي خبرة العنصر البشري العادية في تطوير الصناعة الإبداعية، وإنَّما لابد منْ توافر العنصر البشري القادر على الإبداع؛ كون بنية الصناعة الإبداعية والتنافس فيها تقوم على الجذب وليس الجودة فحسب.
• السوق (العرض والطلب): لابدّ منْ تحقيق عوامل السوق التي تتيح لها النمو والازدهار من خلال إيجادِ عوامل الطلب وتوسيع نطاق العرض لها، وفي إطار المنافسة الواسعة في هذا المجال يتسع نِطاقها في سوق الصناعة الإبداعية؛ إذ يؤدي إلى اتّساع استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطور الجاري في صناعة الإعلام، وتكريس عولمة الثقافة والاقتصاد إلى خلقِ طلب متزايد على الصناعةِ الإبداعية ومخرجاتها.
• رأس المال: يشمل بما في ذلك الموجودات الثقافية المادية كالمواقع الأثرية، ورأس المال الثقافي غير المادي كالطقوس؛ التقاليد؛ والموروثات. كما أنّها تحتاج إلى التمويل العام والخاص، ويتفاوت كلّ ذلك بحسبِ نوع مجال الصناعة الإبداعية ومتطلّباتها. 
• البُنى الأساسيّة: كالنقل؛ الاتصالات؛ الإسكان؛ الصحة؛ المياه؛ الصرف؛ إمدادات الطاقة؛ حفظ القانون؛ النظام؛ والخِدمات المالية.

عوامل نَجاح الصِّناعات الإبداعيّة
هناك عدَّة عوامل أساسية لتحقيق العوائد المأمولة وتحقيق أعلى درجة نجاح، وتتمثَّل في:

1. وجود مدينة لديها إرادة سياسيّة ومجتمعيّة.
2. إدارة أعمال ناجِحة وسوق كبيرة.
3. ثقافة متميِّزة تحقق رواج فائق.
4. حضانات أو تجمّعات ذات موقع استراتيجي متميّز يضمّ غالبية الصناعات الإبداعية الخاصة بالمجتمع.
5. طبقة مُبدعة تتمثّل في رأس المال البشري القادر على الإبداع والابتكار بمنظومة بحث وتطوير قادرة على أنْ ترتقي بصناعات إبداعية تحقق ميزة تنافسية عالمية.  

وسوف يتمّ في المقالة القادمة تناول التعليم والصناعات الإبداعية، ودورها في تعزيز السلوك الجمالي المستدام، والأبعاد والدوافع التي تحتّم الاتجاه نحوها.