بين “الوعد الصادق 3” الإيراني، و”الأسد الصاعد” الإسرائيلي، دلائل وإشارات قوية بأن المنطقة مقبلة على أوضاع صعبة، تجاوزت المذهبية، وأصبحت تحتاج للم الشمل سياسيًّا وأمنيًّا، فالقتال بين إيران وإسرائيل هو بداية لتحقيق الشرق الأوسط الجديد، السيناريو الإسرائيلي الذي يدار من تل أبيب وبدعم أميركي وغربي علينا الحذر منه.
وإطلاق الجمهورية الإسلامية الإيرانية الوعد الصادق رسالة للعالم أجمع بأن “طهران قوة لا يستهان بها وأن الدفاع عن الوطن والشعب رغم الضربة الإسرائيلية التي خلفت عددًا من القتلى لن يذهب سدى، وهذا حقهم الشرعي”.
القتال، الهدف منه السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله، وليس إيران فقط، وليس وقف البرنامج النووي الذي تملك تل أبيب رؤوسًا عديدة منه، فإسرائيل ومن خلفها الممولون والداعمون لها يرغبون في قيادة العالم، وإذا حدث ذلك فأسوأ السيناريوهات لم يحدث بعد، واللبيب بالإشارة يفهم.
ومن هنا فالاتصالات التي أجراها جلالة السلطان المعظم ومعالي وزير الخارجية المكثفة مع عدد من نظرائهم في الدول الشقيقة والصديقة تأتي في إطار المساعي الدبلوماسية لاحتواء التوتر والتصعيد العسكري الخطير في المنطقة، والذي تسببت فيه إسرائيل باعتداءاتها المباشرة على الأراضي الإيرانية وأهمية وقف العدوان، وردع المعتدي باستخدام الوسائل السلمية المستندة إلى القانون الدولي والعدالة من أجل حقن الدماء، ووقف التدمير، والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها والمصالح العليا لشعوبها.
واليوم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تعيد حساباتها، وتقرأ ما بين السطور، فما حدث يوم الجمعة كان قاسيًا عليها، وتفاصيل الخدعة التي روّج لها الاحتلال قبل الضربة بيومين أعطت انطباعًا بأنه لا يوجد عمل عسكري وشيك، وعدم التجهيز للضربة الاستباقية للأهداف النووية والشخصيات العسكرية، ومع ذلك عادت إيران للردع القوي بعد أن تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء والقرارات الدولية، ونسفت المفاوضات الثنائية الأميركية الإيرانية.
لذا، فالقتال يمكن أن يتحوّل إلى حرب ومواجهة طويلة الأمد، وعلى إسرائيل أن تتحمّل مسؤولية انتهاك سيادة إيران، وأن تتحمل تبعات القتال أمام المجتمع الدولي، خصوصًا أن كل ذلك يحدث أمام علم ومرأى المسؤولين الأميركيين الذين كانوا على دراية تامة بالوضع والمخططات الإسرائيلية.
والعالم يتفرج، يندد ويستنكر، والرئيس الأميركي يصف العملية بأنها “هجوم ناجح للغاية”، شيء غريب وعجيب، ومن هنا كيف يمكننا تخيل المقبل من الأحداث، وكيف سيكون الوضع في المنطقة والشرق الأوسط بعد التصريحات الغربية والأميركية، فمنذ حرب غزة وما تبعها من اغتيالات وحروب وسقوط أنظمة وتدخلات وقرارات أوضحت بأن القادم أسوأ وأسوأ!
فالهدف القادم ليس النووي الإيراني، وليس تقليم مخالب إيران، فمن يضمن ألا تكون لهذه العمليات تداعيات وتفاعلات قادمة، وإيران دولة يحق لها أن تدافع عن سيادتها، ولن تنجو إسرائيل من عمليتها إلا بوقف القتال والتصعيد واللجوء للحلول الدبلوماسية.
وكل ما ذكرته الدول الكبرى والصغرى في مجلس الأمن لا يسمن ولا يغني من جوع، فالأبيض أبيض والأسود أسود، فقد أسقطت الأقنعة منذ السابع من حزيران في غزة، وهي تتوالى، فلا مصلحة لإيران في امتلاكها قنبلة نووية، ولا نرضى في المقابل امتلاك إسرائيل قنبلة نووية كاستثناء من بين دول المنطقة، وعلى دول المنطقة العمل كفريق واحد على تطويق الأهداف الإسرائيلية وتوسعاتها الإقليمية. فالاحتمالات كلها مفتوحة أمام هذه المواجهة، وقد يكون من السذاجة القول إن ما يحدث اليوم هو نهاية المطاف، فالحرب مختلفة وغير تقليدية هذه المرة، وعلى اللاعبين الرئيسين التدخل لوقف القتال قبل أن يتعدى إلى الفضاء العربي والإسلامي برمته.
وإذا كانت إسرائيل قد استطاعت اختراق الجغرافيا الإيرانية والعكس صحيح أيضًا، فإن التحدي القادم قد يكون اختراق المنطقة ككل، وهو ما يستوجب اليقظة العربية والإسلامية على السواء.. والله من وراء القصد.
*كاتب ومحلل سياسي عماني