العدد 6051
الجمعة 09 مايو 2025
banner
الكلمة من أجل الإنسان
الجمعة 09 مايو 2025

ونحن على وقع الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة، تبادرت إلى ذهني أسئلة متشابكة عن دور الكلمة في إرساء السلام والحث عليه، ولا سيما الكلمة الصحافية.. مقالًا أو خبرًا أو تقريرًا أو غير ذلك من أشكال الكتابة الصحافية، فإلى أيّ مدى تملك الكلمة اليوم تلك القوة في تغيير مجرى الأحداث؟ وهل ما زالت الأقلام التي تنبض سلامًا وتسامحًا تجد من يتابعها ويقرأها في لهيب هذا العالم الموتور بلعنة الحروب والإبادة؟

للأسف تضاءل اليوم حضور الكلمة والمقال الذي يساهم في نشر ثقافة التسامح والسلام، وانتشرت في العديد من وسائل الإعلام ووسائل التواصل والإعلام الجديد منشورات موجّهة لصناعة الكراهية. ومع هذا الضجيج الإعلامي الشديد وكثرة الأصوات المتداخلة في صناعة الصحافة، تاهت الكلمة الواعية في فوضى المحتوى النمطي أو الترفيهي أو المتحيز. كما أن تقييد حرية التعبير وقمع الصحافيين وتهديد حياتهم ساهم في تهميش دور الكلمة الداعية إلى السلام في وقت تتصاعد فيه المصالح السياسية والقرارات العسكرية.

لكن هذا لا ينفي ما للكلمة في الصحافة من قوة على التغيير والتأثير؛ فقد لعبت العديد من المقالات الصحافية والتقارير الميدانية أدوارًا عظيمة على مرّ التاريخ، وساهمت في الحث على وقف الحروب وإرساء السلام، وأجبرت أصحاب القرار – ولا تزال - على اتخاذ قرارات تاريخية لوقف هذه الحرب أو تلك. ولا يزال تاريخ الصحافة يذكر الدور العظيم الذي لعبه الصحافي الاستقصائي الأميركي سيمور هيرش سنة 1969 عندما أماط اللثام عن مجزرة ماي لاي في فيتنام وسط محاولات لطمسها؛ فقد ارتكب الجيش الأميركي مجزرة عشوائية فظيعة قتل فيها بلا رحمة أكثر من 500 مدني من رجال ونساء وأطفال ورضع.

وقد ساهمت تغطية المجزرة بشكل مباشر في تراجع الدعم الشعبي للحرب في فيتنام، ثم سرّعت هذه الضغوط السياسية والإعلامية وتيرة انسحاب القوات الأميركية الذي بدأ رسميًّا بعد عامين (1971).

وما أشبه اليوم بالبارحة؛ إذْ ها هي الأخبار والتقارير الصحافية والمقالات التي تواكب الأحداث في غزة تحرّك العديد من المنظمات الدولية الحقوقية وكذلك بعض الحكومات لاتخاذ قرارات حازمة للضغط قدر الإمكان على الكيان وداعميه لوقف عدوانه وحرب الإبادة على غزة. وقد كوّنت هذه التقارير الميدانية والاستقصائية المقروءة والمرئية، رأيًا عامًّا عالميًّا شعبيًّا لا نظير له لمساندة الفلسطينيين، وحشدت شعوب العالم التي خرجت في شتى أرجاء المعمورة تنادي بوقف العدوان على المدنيين الفلسطينيين في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لذا، لا تزال للكلمة الصادقة تلك المكانة وذلك التأثير، لذا وجب أن نجعلها أداة للسلم والتسامح لا للحرب والكراهية.. أن نجعلها كلمة من أجل الإنسان.

*كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية