العدد 6030
الجمعة 18 أبريل 2025
banner
أَسْعدُ النّاسِ مَنْ يُسعِدُ النّاس
الجمعة 18 أبريل 2025

 تظلّ السّعادة مفهومًا عجيبًا لا يستقرّ على تعريف جامع مانع، كما تظلّ شعورًا ومطلبًا إنسانيًّا عزيزًا بعيد المنال على الفرد كيفما كان؛ فكم من غنيّ لم تُسعدْه أمواله، ولم تُغنِه من مرض ولم تمنعه عن فَقْدِ عزيز.. وكم من فقير عانى ألم الفقر ولم يُساعِده صبره الطويل على الحاجة والخصاصة، حتى مات كمدًا وحسرة على ما حُرِمَهُ.. فكيف السبيل إلى السّعادة؟

تحضرني الأمثال والأقوال الجميلة في السعادة، وتتوالى الأبيات والحِكم إيجازًا وتفصيلًا، لكنّ قصّةً بِعَيْنها، بسيطة في أحداثها، جليلة في معانيها تظلّ الأقرب إلى فهم معنى السعادة الدائمة؛ فقد قام أحد علماء الأنثروبولوجيا بتجربة طريفة حين عرض لعبة على أطفال إحدى القبائل الأفريقية البدائية: وضع سلّة من الفواكه اللّذيذة قرب جذع شجرة، وطلب منهم أن يتنافسوا ركضًا نحوها، وأوّل من يصل إلى الشّجرة سيحصل على السلة بما فيها.

وبعد أن استعدّوا أعطاهم إشارة البدء، فتفاجأ بهم يسيرون معًا ممسكين بأيدي بعضهم حتى وصلوا الشجرة جميعًا في الوقت نفسه، وتقاسموا الفاكهة! عندما سألهم عالم الأنثروبولوجيا لماذا فعلتم ذلك فيما كان بإمكان كلّ واحد أن يحصل على السلّة له فقط! أجابوه بتعجب: أوبونتو Ubuntu، أي كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيدًا فيما الباقون تعساء.

الفطرة السليمة وحدها فقط تعرف سرّ السعادة، لقد ضاعت السعادة في جميع المجتمعات أو كادت لفرط الأنانية والعنصرية، وقدّمت تلك القبيلة البدائية معنى السعادة الحقيقيّ؛ فأَسْعَدُ النّاسِ مَنْ يُسعِدُ النّاسَ. درس عظيم في فهم معنى السعادة ذلك الذي قدّمه الأطفال البدائيّون لنا.. إنّهم يعرفون معنى الحبّ والإنسانيّة دون أن يدخلوا مدارسنا، ودون أن يحتكّوا تماما بهذا العالم المتحضّر. عالم يهنأ فيه الفرد ويشعر بـ“السعادة” وهو يستأثر بالفواكه لأنّه أسرع من غيره أو أقوى!. 

عالم يجد فيه الفرد معنى السعادة وهو يرى أخاه الإنسان يموت في كل لحظة بشتى أنواع الموت، في السلم والحرب، ويغضّ الطّرف عما حوله انشغالا بالنفس تحت شعار (اللي فينا مكفّينا). 
لقد قال أطفال تلك القبيلة الأفريقية البدائية (سلامًا سلامًا) لهذا العالم الغارق في التحضّر.. وفي الدم والقتل والصراعات والأنانية والنرجسية إلى النّخاع... لقد قدّموا درسًا عظيمًا بعنوان: أَسْعَدُ النّاسِ مَنْ يُسعِدُ النّاسَ.

*كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .