في خضم النزاعات التي تعصف بعالمنا، يصبح الحديث عن حقوق الإنسان ملاذًا أخيرًا للمستضعفين. لكن سرعان ما يتكشف زيف بعض الأصوات التي تدعي حمل هذا اللواء النبيل، لتتحول إلى أدوات تخدم أجندات ضيقة، وتفرز الضحايا بمعيار طائفي أو عرقي مقيت.
كبشر، قوامنا واحد، وإن تعددت ألواننا ومعتقداتنا، هذا الاختلاف الذي كان من المفترض أن يكون مصدر غنى وتكامل، يُستغل أحيانًا ليصبح وقودًا للفرقة والتجاهل، فبينما تئن الإنسانية جمعاء تحت وطأة الحروب والانتهاكات، يبرز من بين هؤلاء “الحقوقيين” من يصم آذانه عن صرخات ألم لا تنتمي إلى ذات طائفته أو عرقه، ويتجاهل فظائع ربما تفوق بشاعتها ما يتباكى عليه. هؤلاء الذين يرفعون شعارات حقوق الإنسان، سرعان ما يكشفون عن ازدواجية معايير فاضحة، تراهم يتبنون قضايا بعينها بحماس شديد، بينما يصمتون صمت القبور عن مآسٍ إنسانية أخرى لا تقل فظاعة حينما يصبحون كالأعور الدجال الذي لا يرى إلا بعين واحدة، عين تنظر بانحياز لطرف دون آخر، متجاهلين واقعًا مؤلمًا، وينتقون من القضايا ما يخدم توجهاتهم الضيقة.
لننظر إلى صمتهم المطبق لسنوات طويلة حيال ما جرى في سوريا من فظائع. أين كانت أصواتهم “الحقوقية” حين كانت الدماء تُراق أنهارًا، والمدن تُسوى بالأرض؟ لقد استيقظوا فجأة، وبدأوا في إبداء اهتمام ملحوظ بعد تغير المشهد السياسي، ليتحول ألم شعب بأكمله إلى مادة إعلامية رخيصة وقضية للمتاجرة. والأمثلة تتوالى: مأساة الروهينغيا، اضطهاد الأقليات في مناطق مختلفة، كلها جرائم بشعة تمر أمام أعينهم دون أن تحرك ساكنًا، لأن الضحايا لا ينتمون إلى “فريقهم.
إن هذا التعامل الانتقائي مع قضايا حقوق الإنسان يقوّض مصداقية هذا المفهوم النبيل ويحوله إلى أداة للفرقة والتحريض. وكما أن ربط الأسلحة الفتاكة بآيديولوجيات ضيقة هو قمة العبث، فإن حصر الاهتمام بالضحايا بناء على انتماءاتهم هو قمة الانحياز والتجرد من الإنسانية. فالألم واحد، والدم واحد، والمعاناة لا تعرف دينًا أو مذهبًا أو عرقًا.
إن صرخات الأمهات الثكالى، وآهات الأطفال اليتامى، ودموع الأبرياء المهجرين، يجب أن تهز ضمائرنا جميعًا بغض النظر عن هوياتهم. يجب أن نكون صوتًا واحدًا مدويًّا في وجه الظلم والانتهاكات، وأن نرفض هذا التمييز المقيت في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. عندها فقط، نستطيع أن نأمل في استعادة الإنسانية المفقودة في عالم تمزقه الصراعات وتشوهه الانحيازات.
كاتب بحريني