مثلي مثل غيري، قرأت الخبر المنشور على صدر صحفنا المحلية، بأن عدد الطلاب البحرينيين الذين يدرسون في الخارج يبلغ نحو 4031 طالبًا، وهذا الرقم إن دل على شيء إنما يدل على أنه مازال لدينا أمل في ضم نسبة من هؤلاء الطلبة إلى جامعاتنا لو توافرت البرامج والمناهج والمقررات لهم في بلادهم البحرين. وهذه الأرقام التي اطلعت عليها أكثر من مرة، أعادتني بعيدًا إلى الوراء أكثر من ثلاثة عقود على وجه التقريب، عندما كنت مع الصديقين الدكتور بكر أحمد حسن، والراحل العزيز دكتور عبدالله حمد المعجل، في لندن؛ للمشاركة في أحد المؤتمرات العلمية العالمية، في ذلك الوقت كنا نتجول معًا في جامعة كامبردج البريطانية، والبروفيسور المعجل يتحدث معنا بصوت مرتفع عن ابنته، التي انتهت للتو من دراسة الثانوية العامة، والحيرة تتملكه مع والدتها، حيث إنه لا توجد جامعات مهيأة لكي تدرس فيها ابنته بالمملكة العربية السعودية أو الخليج، وحيث إن التخصص الذي ترغب في الالتحاق به لم يكن متوافرًا في المنطقة آنذاك. وأذكر أن الصديق المعجل قد تحدث وكان القلق يسيطر علينا جميعًا، ذلك أن أبناءنا سوف يتخرجون من الثانوية العامة وسوف نبحث لهم عن جامعة مناسبة في المنطقة، وربما لن نجد، ونضطر آسفين إلى ابتعاثهم إلى الخارج لاستكمال دراستهم الجامعية. مر الوقت ونحن نفكر في مخرج طوارئ من هذا المأزق، كيف نترك أبناءنا يسافرون إلى بلاد أجنبية غريبة ولا نقلق عليهم؟ ولماذا لا توجد لدينا الجامعة أو الجامعات التي تسد هذا النقص العلمي المهم؟
بعد تفكير عميق، صرخت في وجه الزميلين العزيزين قائلاً: وجدتها وجدتها، أو يوريكا.. يوريكا، فصرخا في وجهي بالتبعية: وماذا وجدت؟ قلت لهما: جامعة وطنية ومناهج عالمية. ومنذ ذلك الوقت، بدأنا نحن الثلاثة جاهدين في سبيل تحقيق هذا الحلم. وبالرغم من صعوبة المخاض ومرور السنين، إلا أن الحلم أخيرًا قد تحقق وأصبح لدينا أكثر من 16 جامعة بحرينية خاصة إلى جانب الجامعات الحكومية، بل إن هذه الجامعات أصبحت تُدرِس المراحل العليا المتقدمة الثلاث، البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وأصبح الاعتراف الأكاديمي بنا، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، يؤهل خريجينا لكي يدرسوا ما يحلو لهم، وما يطمحون إليه من علوم وفنون وآداب. وها نحن اليوم نفتخر بأن أكثر من جامعة لدينا أصبحت مصنفة عالميًا، بل أنها حازت على أعلى التقديرات من مؤسسات التصنيف الدولية “التايمز” و “كيو إس” وغيرهما، كما أن الاعتراف بالاعتمادات الأكاديمية التي تحظى بها جامعاتنا قد هيأ المناخ المناسب ليس لامتصاص النسبة الكبرى من خريجينا فحسب، إنما لاستقبال عدد كبير من الطلبة الخليجيين الراغبين في الدراسة لدينا أيضًا.
الأرقام المنشورة حديثا في الصحف، وهي ليست بالكبيرة، تؤكد أن أمامنا، في الجامعات الوطنية، فرصًا ذهبية لاستقبال أعداد هائلة من الطلبة البحرينيين والخليجيين والأجانب، وهو ما تحقق لبعض جامعاتنا بالفترة القريبة الماضية، بالتحديد بعد أن أصبح لدينا من البرامج والكليات ما يسد حاجات الطالب المحلي والخليجي والأجنبي، تمامًا مثلما أصبح لدينا من التخصصات ما يغطي اهتمامات أسواق العمل في البحرين والمنطقة، وما يؤكد أن الحلم الكبير قد تحقق، وأن الجامعة الوطنية الدولية أصبحت حقيقة وجودية مؤثرة، بل إن هذه الجامعة وصلت إلى مستوى من الجودة يؤهلها للمنافسة مع الجامعات العالمية، بل التفوق أحيانًا عليها.