في رمضان، تتفتح أبواب السماء بالدعوات، وتُضاء قلوب الفقراء بنور الأمل، في شهر يتحول فيه الاقتصاد الإسلامي إلى رافد من روافد الرحمة، فتجتمع الصدقات والزكوات والأوقاف لتنسج خريطة جديدة من العطاء المستدام. وفي جنوب شرق آسيا، حيث تتداخل العادات الإسلامية مع معايير الاقتصاد الحديث، تتحول الأعمال الخيرية في رمضان إلى محرك حقيقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فتصبح الزكاة استثمارًا في الإنسان، والوقف آليةً لضمان العيش الكريم، والصدقات نمطًا اقتصاديًا يحقق التوازن بين الحاجة والإنتاج.
في إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، تلعب صناديق الزكاة دورًا محوريًّا في إعادة توزيع الثروة. وفقًا لتقرير صادر عن الهيئة الوطنية للزكاة Baznas، تجاوزت عائدات الزكاة في البلاد 3.9 مليار دولار عام 2023، وهو ما يعادل نسبة 1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي. ويتم تخصيص هذه الأموال لمشاريع تنموية تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات الغذائية، ما يحول الصدقات من مجرد دعم مؤقت إلى استثمار في رأس المال البشري.
أما في ماليزيا، فتُعدّ الأوقاف الإسلامية ركيزة أساسية في دعم المجتمعات الأقل حظًا، إذ تدير مؤسسات مثل المجلس الإسلامي الفيدرالي MAIWP أصولًا وقفية بمليارات الدولارات، تُستخدم في تمويل المشاريع السكنية والتعليمية والصحية. ومع قدوم رمضان، تتسارع وتيرة الإنفاق الخيري، حيث تقدم المؤسسات الإسلامية مساعدات نقدية وغذائية لأكثر من 500,000 أسرة محتاجة سنويًّا، ما يعكس كيف يمكن للاقتصاد الإسلامي أن يتحول إلى ملاذ للفقراء في الأوقات الحرجة.
في بروناي، حيث تعتمد الدولة على مزيج من الثروة النفطية والمبادئ الإسلامية في رسم سياساتها الاقتصادية، تتحول الصناديق الوقفية إلى مصدر تمويل مستدام يعزز الاستقلال المالي للمحتاجين. تشير التقارير إلى أن 75 % من المشاريع التنموية الموجهة للفئات الأقل دخلًا تمولها أوقاف إسلامية، وهو نموذج يعكس كيف يمكن لاقتصاد قائم على الزكاة والوقف أن يكون أكثر استدامة من المساعدات الحكومية التقليدية.
إن فلسفة الاقتصاد الإسلامي في رمضان لا تقتصر على إطعام جائع أو كسوة فقير، بل تتجاوز ذلك إلى بناء منظومات اقتصادية أكثر عدالة، حيث لا تبقى الصدقة مجرد إحسان مؤقت، بل تتحول إلى أداة تمكين تحقق التوازن بين الرحمة والإنتاج. وبينما تستمر هذه الدول في تطوير سياساتها الخيرية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لنموذج الاقتصاد الإسلامي أن يصبح نهجًا عالميًّا يوازن بين تحقيق الربح وتعزيز التكافل الاجتماعي؟