بعد أكثر من عقد من الصراعات، تجد سوريا نفسها أمام مرحلة جديدة تتطلب إعادة تقييم موقعها الإقليمي واستراتيجياتها الاقتصادية والسياسية وبينما بدأت بعض الدول العربية في إعادة بناء العلاقات مع دمشق لا تزال التحديات الداخلية والخارجية تشكل عقبة أمام تحقيق استقرار طويل الأمد.
تمثل إعادة إعمار سوريا أحد أكبر التحديات في المرحلة المقبلة، نظرا لحجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية والحاجة الملحة لإعادة تأهيل شبكات الطرق والكهرباء والمرافق الصحية والتعليمية. ورغم الحديث عن إمكانية الحصول على دعم عربي، فإن مدى تحقق ذلك يعتمد على قدرة سوريا على توفير بيئة استثمارية مستقرة، إلى جانب تنفيذ إصلاحات اقتصادية تضمن الشفافية وتعزز ثقة المستثمرين والجهات الدولية.
وفي ظل هذه التحديات الاقتصادية، من الضروري البحث عن سبل دعم مستدامة، وهو ما يجعل التعاون مع الدول العربية ركيزة أساسية في استعادة التوازن المالي والاقتصادي وهذا التعاون لا يمكن أن يكون فعالاً دون سياسة خارجية متوازنة تعزز الانفتاح الإقليمي مع الأخذ في الاعتبار التغيرات الجيوسياسية في المنطقة. وعلى الرغم من تحسن العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول لا تزال هناك ملفات لم تُحسم بعد، كالوجود العسكري الأجنبي والعقوبات الاقتصادية ومستقبل التسوية السياسية الداخلية.
إلى جانب الجهود الخارجية، يبقى تحقيق الاستقرار الداخلي عاملاً حاسماً في نجاح أي استراتيجية تنموية فالمصالحة الوطنية الشاملة باتت ضرورة لا مجرد خيار، حيث لا يمكن إعادة بناء الدولة على أسس متينة دون إشراك مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية تضمن مشاركة واسعة مبنية على احترام الحقوق المدنية وتخفيف التوترات الداخلية ستكون عوامل أساسية في تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ورغم التحديات الكبيرة، لا تزال هناك فرص يمكن لسوريا استغلالها كموقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواردها البشرية المؤهلة ومع ذلك، فإن نجاح البلاد في الاستفادة من هذه المزايا مرهون بقدرتها على تبني إصلاحات حقيقية وإعادة بناء علاقاتها الخارجية بطريقة تضمن دعماً اقتصادياً مستداماً دون أن يكون مشروطاً بتنازلات غير محسوبة.
اليوم، تقف سوريا أمام مفترق طرق حاسم، حيث سيكون المسار الذي تتخذه مؤثراً ليس فقط على شعبها، بل على استقرار المنطقة بأكملها. فهل ستتمكن من تجاوز العقبات وبناء نموذج تنموي جديد، أم ستظل التحديات عائقاً أمام عودتها الفاعلة إلى الساحة العربية والدولية؟