يبدو أن عقارب الساعة تعود للوراء، ولكنها لن تعيد الزمن نفسه، بل ستكرر السيناريو بوجوه وأدوات مختلفة في الشرق الأوسط، الذي ظل لعقود ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، يجد نفسه اليوم في مرحلة جديدة من إعادة التشكيل. جاءت تغريدة الدكتور محمد الحسيني منذ أسبوع تقريبًا في منصة أكس، والذي تحدث عن “سايكس - بيكو محدث ومطور سيغير وجه المنطقة”، وأشار إلى أن هناك تحولات عميقة قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط بشكل جذري، ولكن هل هذه مجرد قراءة تحليلية للأحداث، أم إن هناك بالفعل مؤشرات واقعية تؤكد هذا السيناريو؟
حين نعود إلى التاريخ، نجد أن الشرق الأوسط شهد تغيرات جذرية حين تم تقسيم المنطقة وفق اتفاقية سايكس - بيكو العام 1916، والتي رسمت الحدود الحديثة للدول العربية بناء على تفاهمات استعمارية. اليوم، وبعد أكثر من قرن تبدو ملامح سايكس - بيكو جديد تتشكل هذه المرة من خلال حروب طاحنة وصراعات داخلية وتفتيت ذاتي من الداخل، كما لو أن الشرق الأوسط يعيد رسم حدوده بنفسه، ولكن وفق مخططات مرسومة سابقا.
تغريدة الحسيني ليست مجرد استنتاج عابر، بل تأتي في وقت تتزايد فيه الدعوات الانفصالية والنزاعات الطائفية والمذهبية في دول عدة، العراق مثلا خرج من حرب طاحنة مع “داعش” وما يزال يعاني من صراعات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان وسط تصاعد مطالبات بالاستقلال. وسوريا واليمن كذلك.
على الجبهة الأخرى، نجد أن الحرب الإسرائيلية على غزة كانت نقطة تحول، حيث لم تكن مجرد مواجهة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بل أصبحت ذات امتداد إقليمي، حيث انخرط حزب الله في مواجهات على الحدود اللبنانية، وهو ما دفع إسرائيل والولايات المتحدة إلى التصعيد ضد الأذرع الإيرانية في المنطقة، كل هذا فتح الباب أمام توسيع نطاق الصراع وهو ما أشار إليه الحسيني بقوله: إن الجولة الثانية من الحرب ستشمل جبهات متعددة، وقد تتحول إلى حرب إقليمية كبرى تمهد لفوضى واسعة.
لكن الأخطر من الحرب ذاتها، هو ما قد يليها، فكما شهدت المنطقة في العقد الماضي تفكك دول عربية بفعل ”الربيع العربي”، فقد نشهد الآن مرحلة جديدة من التفتيت ولكن ليس عبر ثورات شعبية، بل من خلال حروب داخلية وصراعات مناطقية تغذيها قوى إقليمية ودولية. في ليبيا، ما تزال البلاد منقسمة بين حكومتين، وسط نفوذ عسكري أجنبي. في السودان، تتحول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى كارثة إنسانية قد تؤدي إلى تقسيم فعلي. في لبنان كذل تصاعدت التحذيرات من انهيار داخلي بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي المتأزم بالتزامن مع تصاعد المخاوف من اندلاع حرب جديدة.
ما طرحه الحسيني في تغريدته يتوافق مع تقارير استخباراتية غربية كانت قد أشارت منذ سنوات ماضية إلى أن الشرق الأوسط لن يبقى على شكله الحالي، بل سيتحول إلى كيانات أصغر تتناحر فيما بينها، وهو ما أظهرته بعض التقارير، التي تحدثت عن سيناريو تفكيك بعض الدول العربية إلى كيانات مذهبية وقومية تحت ذريعة إعادة ترتيب المنطقة وفق مصالح القوى الكبرى وهذا السيناريو ليس مجرد نظرية مؤامرة، بل يمكن ملاحظته من خلال المشاريع المطروحة.
يبقى السؤال: هل ما يحدث اليوم هو نتيجة مخططات خارجية، أم إنه نتيجة لصراعات داخلية استغلتها القوى الكبرى؟ مهما كانت الإجابة، فإن الواقع يشير إلى أن الشرق الأوسط يقف على حافة تغييرات غير مسبوقة، قد تعيد رسم حدوده ليس بالقلم والورق، بل بالنار والحديد.
* كاتب بحريني