في إحدى الأمسيات، تلقى “أحمد” رسالة على هاتفه تحمل مقطعا صوتيا صادما، كان الصوت واضحا، مألوفا، لا شك فيه: أخوه الأكبر يتحدث مع شخص آخر، يعترف بخيانة زوجته. المشاعر تشتعل في رأسه، الغضب يعميه، والأفكار تتوالى كالعاصفة. كيف يفعلها؟ كيف يخون أقرب الناس إليه؟ كيف ينظر في أعينهم وهو يخفي هذا السر؟
في لحظة تهور، كاد أحمد أن يرسل التسجيل إلى زوجة أخيه، كاد أن يفجر القنبلة التي ستدمر عائلته، لكنه تردد. شيء ما بدا غير منطقي. أخوه لم يكن يومًا ذلك الشخص المستهتر، كيف له أن يعترف بهذا الشكل؟ هل يمكن أن يكون التسجيل مزيفًا؟
دفعه الشك إلى البحث، فبدأ رحلة التحقق. رفع المقطع إلى أدوات مجانية لم تعطه إجابة واضحة، ثم لجأ إلى أداة مدفوعة، وحين ظهرت النتيجة، صُدم بحجم الكارثة التي كاد أن يقع فيها: التسجيل مزيف بنسبة 98.87 %! كان الصوت من صنع الذكاء الاصطناعي، خدعة متقنة كادت أن تهدم أسرة بأكملها.
الخطر الذي يهدد الحقيقة
لم يكن أحمد ليتخيل أن التكنولوجيا يمكن أن تصل إلى هذه الدرجة من الإتقان، أن يصبح التزييف متاحًا للجميع، أن يتمكن أي شخص، بمبلغ زهيد وبضع نقرات، من صناعة أكاذيب مقنعة لدرجة أنها تخدع حتى أقرب الناس.
الذكاء الاصطناعي، الذي كان حلمًا للبشرية، أصبح اليوم سلاحًا ذو حدين. في حين أنه يُستخدم في مجالات الطب والبحث والابتكار، فإنه أيضًا أصبح أداة بيد المجرمين والمحتالين. تسجيلات صوتية مزيفة، فيديوهات مركبة، وحتى صور محبوكة بإتقان، كلها يمكن أن تشعل الحروب، تهدم العلاقات، وتدمر مستقبل الأبرياء.
الحل يبدأ بالتشكيك والوعي
ما حدث مع أحمد قد يحدث لأي شخص. وللأسف، ليس الجميع لديه الوعي أو الشك الكافي ليبحث عن الحقيقة. كم من أشخاص صدقوا تسجيلات مفبركة؟ كم من عائلات تفككت بسبب خدعة إلكترونية؟ كم من سمعة دُمرت لأن أحدهم قرر اللعب بأدوات لا ترحم؟
المشكلة الحقيقية ليست في الذكاء الاصطناعي، بل في سهولة تصديق الأكاذيب. لذلك، فإن الحل الأول يبدأ بالوعي. يجب أن ندرك أن كل ما نسمعه ونراه ليس بالضرورة حقيقيًا، وأن التحقق أصبح واجبًا لا رفاهية.
ثانيًا، لا بد من تطوير أدوات كشف التزييف وجعلها متاحة للجميع، كما أصبحت أدوات الفبركة في متناول الجميع. وإذا كان بإمكان أي شخص تصنيع كذبة مقنعة، فيجب أن يكون بإمكان أي شخص كشفها بسهولة.
وأخيرًا، لا بد من قوانين تواكب هذا الخطر. في كثير من الدول، لا تزال القوانين عاجزة عن التعامل مع هذه الجرائم، بينما يزداد انتشارها يومًا بعد يوم. يجب أن يكون هناك عقاب صارم لمن يستغل الذكاء الاصطناعي للإضرار بالآخرين.
لا تكن ضحية للكذب المتقن!
اليوم، لم يعد الكذب بسيطًا أو ساذجًا، بل أصبح متقنًا إلى حد يصعب كشفه. نحن نعيش في عالم لم يعد فيه الصوت دليلًا قاطعًا، ولم تعد الصور والفيديوهات موثوقة كما كانت. لذا، قبل أن تصدق، قبل أن تغضب، قبل أن تتخذ قرارًا قد يغير حياتك أو حياة غيرك، تذكر قصة أحمد.. وتوقف للحظة. فقد تكون الحقيقة شيئًا آخر تمامًا.