مع مطلع الألفية الثالثة، طَفَتْ على السّطح وظائف جديدة للتّعليم، منها التّعلّم للحياة، والتّعلم للسّلام، والتّعلم للمواطنة، وكذلك التّعلم للريادة. وانصبّ الاهتمام على التعلّم للريادة في المرحلة الثانوية لاعتبارات عديدة، وتجلى ذلك في تخصيص تقرير مطوّل أنجزته منظمة العمل الدولية مع منظمة اليونسكو سنة 2010 بعنوان “نحو ثقافة للريادة في القرن الواحد والعشرين - تحفيز الروح الريادية من خلال التعليم للريادة في المدارس الثانوية”، كما أنجزت اليونسكو بالتعاون مع مؤسسة StratREAL البريطانية دراسة حالات نشرت في تقرير بعنوان “التعليم للريادة في الدول العربية” سنة 2010 أيضًا.
ويجدر بنا هنا أن نميّز أولًا بين معنى (رائد) و(رياديّ)، فإذا كان الرائد من يتقدّم القوم وينير لهم الطريق، أو من يسبق غيره ويمهّد لهم السبيل نحو غاية ما، فإنّ الرياديّ من الريادة التي هي البراعة في الانتباه للفرص والقدرة على استثمارها في الوقت المناسب، وهي كذلك التنفيذ العملي للأفكار والطموحات. لذا فإنّ من صفات الرياديّ أن يكون ذا تفكير إبداعيّ وله قدرة على القيادة والمبادرة، ويتميّز أيضا بالمثابرة وحب الاطلاع واتخاذ القرار في الوقت المناسب فضلًا عن إتقانه مهارات التواصل وروح التعاون. ومن الأهمية بمكان الحديث عن التعلم للريادة في وقتنا الراهن نظرًا لارتفاع عدد الشباب؛ فقد بلغ عدد الذين تتراوح أعمارهم بين (15 - 24 سنة) أكثر من مليار نسمة في العالم، وهم يشكلون الشريحة الأوسع إذا أضفنا إليهم الأطفال، وأولئك من سيصنع المستقبل في كل بلد. لكن، وفي الوقت ذاته، ناهز عدد الشباب العاطلين عن العمل بحسب منظمة العمل الدولية 100 مليون في العالم، وهذا تحدّ كبير أمام الحكومات.
ما يضطر العديد من هؤلاء الشباب وخصوصًا في أفريقيا وبعض الدول الآسيوية إلى اللجوء إلى قوارب الموت بحثًا عن العمل.
ولمّا كانت المدرسة أبرز صانعي بناة المستقبل فقد بات التعليم للريادة هدفًا ضروريًّا ووظيفة حياتية للتعليم حتى يكون خريج المرحلة الثانوية ثم الجامعية قادرًا على أن يبني مشروعه ويلتقط الفرص ويبدع الأفكار والحلول لينجح في مشروعه الخاص أو الجماعي.
لقد برز نموذج التعليم للريادة لتلبية احتياجات التعليم الثانوي خاصة؛ فهو يشجّع الطلبة على التفكير الإبداعي في مستقبلهم المهني وفرص عملهم وفي كيفية المساهمة في تحسين مستوى عيش مجتمعاتهم من خلال ما يمكن أن ينجزوه من مشاريع عمل ممكنة في بيئتهم للحدّ من فكرة الهجرة ولتحقيق التنمية المأمولة في العديد من الدول التي تعاني من ضعف نسبة النمو بالرغم من توفّر الموارد الطبيعية والبشرية (الشباب).
لكن، وبالرغم من حالة الوعي العالمي بضرورة إدماج التعلم للريادة في مناهج التربية والتعليم، وبالرغم من سعي العديد من الدول إلى تفعيل توصيات تلك المؤتمرات والتقارير، فإنّنا ما زلنا بحاجة شديدة لنشر هذا الوعي بين المعلّمين وأولياء الأمور والطلبة من أجل بناء جيل قادر على استثمار الفرص ومواجهة التحديات العديدة في سوق العمل.