في تقرير ربيعي بعنوان “الاضطرابات في الأفق”، اقترح مركز دراسات كندي يسمى “آفاق السياسة الكندية” أن حربًا أهلية يمكن أن تحدث في الداخل الأميركي، وأن مثل هذا السيناريو يتوجّب على “أوتاوا” أن تفكّر في الاستعداد له. بدت هذه الفرضية وكأنها مدسوسة في عمق التقرير، والذي يبلغ نحو 37 صفحة، وقد رسمت هذا الاحتمال في 15 كلمة جاءت على النحو التالي: “الانقسامات الأيديولوجية في الولايات المتحدة والتآكل الديمقراطي والاضطرابات الداخلية تتصاعد، ما يؤدي إلى إغراق البلاد في حرب أهلية”.
لم يكن هناك نقص في التنبؤات المروعة بشأن السياسات الأميركية منذ عقد تقريبًا في الداخل الأميركي، فقد انغمست المنظمات غير الربحية ذات الميول اليسارية والمستشارون السياسيون والأكاديميون في تكهنات لا نهاية لها وتمارين لعب الأدوار، ظاهريًّا لمساعدتهم في الدفاع عن الديمقراطية ومن الناحية العملية بمثابة انغماس في الذات. تضمنت إحدى الحلقات الهستيرية في عام 2020 محاكاة لألعاب الحرب التي انتهت بتشجيع بايدن وحلفائه الساحل الغربي على الانفصال عن الاتحاد. استطلع التقرير الكندي مئات الخبراء والمسؤولين الحكوميين حول الأحداث التخريبية التي قد يتعيّن على كندا الاستعداد لها، بعد ذلك صنف المؤلفون هذه السيناريوهات بناءً على احتمالية حدوثها، ومدى سرعة حصولها، وحجم الفوضى التي قد تسببها. غير أن العبارة المهمة في التقرير تتعلق بتصنيف هذه الحرب على أنها حدث غير محتمل، ولكنه شديد التأثير، وقد شملت السيناريوهات الأخرى في هذه الفئة العامة انتشار الأسلحة البيولوجية محلية الصنع، وظهور مسببات الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية، ما يؤدي إلى الوفيات الجماعية، ونقص الغذاء واندلاع الحرب العالمية الثالثة. هل تاريخ كندا الداخلي، والحركات الانفصالية التي جرت هناك، تجعل مخاوف حرب أهلية أميركية أمرًا قابلًا للحدوث بالفعل؟.
يرى التقرير أن هناك سيناريو واحدًا جديرًا بالثقة لحرب أهلية أميركية، وهو سيناريو ليس من الماضي البعيد أو من بعيد، بل من مثال قريب وقريب جدًّا وهو مثال كندا عينها.. كيف ذلك؟.
لم تكن معركة كيبك الانفصالية في الستينيات حربًا أهلية شاملة، لكنها كانت هجومًا عنيفًا ومستمرًّا على الولاية، نفذه مسلحون اعتقدوا أن النظام الفيدرالي تغيّر بطريقة غير مقبولة، واستمرت القلاقل والاضطرابات حتى عام 1970 حين اختطف الانفصاليون في كيبك وقتلوا “بيير لابورت” نائب رئيس المقاطعة.
كانت هذه فترة حرب أهلية وحشية ومؤلمة، وفي فترة ما بعد محاولة الاعتداء على الكونجرس في يناير 2021، لم يعد من قبيل التكهنات الجامحة أن نتصوّر سلسلة مماثلة من الأحداث في الولايات المتحدة، سيما أنها دولة مدججة بالسلاح ولها نظام فيدرالي متنازع عليه وهويات إقليمية فخورة، وبعض الولايات مثل تكساس وكاليفورنيا أصبحت كيانات شبه وطنية بالفعل.
في هذا السياق يبدو من الطبيعي أن الرئيس القادم، وسواء جرى اختيار دونالد ترامب مرة ثانية، أو كامالا هاريس، فإنه أيهما سيكون مكروهًا من قبل قسم كبير للغاية من البلاد، ومن المرجح أنه سينظر إليه على أنه رئيس غير شرعي من قبل أقلية كبيرة على الأقل.
هل على العالم أن يقلق؟
حتما أن العالم مع أميركا يئن، لكن حال غيابها أو تفككها سوف يتألم.. دعونا ننتظر ونرى.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية