فيلم "ميغالوبوليس" لكوبولا... طرح أسئلة في جمال لا مثيل له
هناك بعض الأفلام حافلة بأفكار ورموز معقدة، إلا أن قيمتها السينمائية الرئيسة تكمن في تشابك وتقارب اللقطات الذي يتحقق بواسطة أسلوب خلاصة البداية في تصوير مشهد في مكان وإنهائه في مكان آخر وهكذا. فإن الزمن والمكان الحقيقيين قد قضى عليهما وحلا محلهما مكان وزمان سينمائي مكن الأشخاص والأماكن والأشياء من التقارب فيما بينهما بانسجام تام.
هذا ما ينطبق على الفيلم الأخير للمخرج الأمريكي العجوز فرانسيس كوبولا " ميغالوبوليس" الذي عرض في مهرجان كان السينمائي في مايو الماضي ولعب دور البطولة فيه مجموعة من النجوم منهم آدم درايفر في دور المهندس المعماري سيزار الذي يطمح في بناء مدينة " ميغالوبوليس" ثم الانطلاق نحو المستقبل تاركا آثار دمار مدينة نيويورك وراءه، وهذا أمر مرهون بالنوابغ الحاصلين على جائزة نوبل، والفنان جون فويت في دور الرجل الثري الممثل عن جماعة الأغنياء والمصرفيين، هاملتون دراسيوس، وعمدة المدينة الذي قام بتقمص شخصيته الفنان جيانكارلو ، وغيرها من الشخصيات التي تترك المشاهد منهمكا في التفكير والتأمل، حيث عمد المخرج كوبولا إلى أن تدور القصة في مجتمع غريب وينقل من خلال أحداث القصة كثيرا من ملامح الثقافة وأساليب الحياة وأنماط التفكير السائد في ذلك المجتمع الذي تسيطر عليه المادة من كل ناحية، والمبدأ الخاص بالبناء والإنشاء.
أظهر المخرج كوبولا في هذا الفيلم عبقرية هائلة في تصوير الحياة كما يراها ويحسها، عبر حبكة محكمة الربط ومتماسكة حول نواة أو جوهر معين وهو مأزق نظام مهلهل متداع يحاول البعض الدفاع عن وجوده واستمراره بأحط الطرق، كما أهتم بالتفاصيل الدقيقة الصغيرة التي منحت الفيلم قوة ودفئا خاصا، مع مجموعة من الموتيفات التي تعكس جو القلق والتوجس والخوف من المجهول المتمثل في العالم الجديد الذي نجد كوبولا مقدما عليه، ورغم أن البعض قد وصف الفيلم بأنه من الأعمال اللاذعة، إلا أننا يجب أن نحترم الأفكار التي تجول في ذهن كوبولا والأسئلة التي يطرحها في جمال لا مثيل له.