العدد 5818
الأربعاء 18 سبتمبر 2024
banner
ما وراء الإعلام
الأربعاء 18 سبتمبر 2024

قد يعتقد البعض أن تأثير وسائل الإعلام مقتصر فقط على ما تنقله من رسائل ومعلومات واضحة وعلنية للمتلقي، فإذا كنت تظن ذلك عليك التفكير في الأمر مرتين! أما إذا كنت تعتقد أنك لن تتأثر بمشاهدة المواد الإعلامية أو الإعلانية إذا تجاهلتها فاعلم أن تأثيرها عليك أبعد من ذلك بكثير. يذكر روبرت هيث في كتابه “إغواء العقل الباطن: سيكولوجية التأثير العاطفي في الدعاية والإعلان” أن التجاهل يمنح الإعلان المزيد من القدرة في التأثير! حيث إن الإعلانات تؤثر على عواطفنا، والتي تعد الدافع الأكبر وراء قراراتنا وعلاقاتنا.. موضحاً أن هناك العديد من الأمثلة لحملات إعلانية حققت نجاحاً فائقاً دون أن يتمكن أحد من تذكر الرسالة الأساسية التي كانت تحاول أن توصلها!
وقد خلص بحث علمي للدكتورة لامية طالة بعنوان “الرسائل الإعلامية الخفية ومخاطبة اللاواعي عند المتلقي” إلى تأكيد العلماء بعد العديد من الأبحاث أن هناك العديد من المنبهات التي يقوم العقل الباطن بتسجيلها ولا يدركها العقل الواعي، لكنها تترك أثراً كبيراً في الإنسان سواء في تفكيره أو شعوره أو سلوكه أو حالته الصحية، بل قد يصل التأثير إلى تركيبه الفيزيائي. وقد يتم هذا التأثير من خلال مشاهدة صور معينة في مشهد تلفزيوني، دعائي أو سينمائي، كما يمكن أن تكون ضمن رسم أو كتابة بصرية أو مقطع صوتي. لكن في معظم الأحوال يتعذر على العقل الواعي التقاط الرسائل الخفية بأكملها بينما يمتصها اللاواعي وتترسخ فيه، وقد تترجم فيما بعد إلى سلوكيات وتصرفات لا إرادية أو حتى إرادية. وتقول عالمة النفس الاجتماعي كارين ديل “عندما نسمح لأنفسنا بالانجراف إلى العالم الخيالي فإننا نغير مواقفنا ومعتقداتنا بحيث تكون أكثر اتساقاً مع الأفكار والادعاءات التي نجدها في القصة أو الرواية أو الفيلم”. 

وفي دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية عام ٢٠١٦ حول استخدام الشباب وسائل التواصل الاجتماعي وربطها بالاكتئاب، تمت ملاحظة أن أكثر حالات الاكتئاب تحدث لأولئك الذين يقضون وقتاً أكثر من سواهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أظهرت دراسة أخرى أجريت على ٥٠٠٠ طفل وشاب في المملكة المتحدة أن أكثر من نصف المشاركين في الدراسة يعانون من انخفاض في احترام الذات بعد استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي.
يتبين مما سبق أن هناك تأثير خفي بالغ الخطورة لوسائل الإعلام يقع خلف الرسائل الواضحة والأساسية لها، ويكمن التساؤل هنا في كيفية حماية أنفسنا من المعلومات التي تصلنا بشكل مباشر وغير مباشر من قبل بعض المصادر التي قد نجهل دوافعها الأساسية في التأثير؟ فزيادة الأبحاث والدراسات في هذا المجال أمر بالغ الأهمية، حيث إن ما يملأ أذهاننا يشكل كياننا، فنحن نصبح ما نفكر فيه.

إعلامية ومدربة دولية معتمدة

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية