توصلت من خلال ملاحظاتي الشخصية إلى أن التخلف ليس دائماً شيئاً عشوائيًا واعتباطياً، بل قد يكون مخططاً وممنهجاً ومدروساً، كما ويتم توارثه عبر الأجيال! والتخلف هنا أقصد به الأطباع الغريبة والعجيبة للبشر، والتي نراها تتكرر عبر الأجيال وفي مختلف الدول، خصوصاً في جهات العمل.
عند حديثي مع صديقة تعمل في دولة عربية، حكت لي عن معاناتها وعن كم الصعوبات التي تعرضت لها من قبل زملائها في العمل، ما اضطرها للانتقال إلى عملٍ آخر، وجدت أن ما حدث لها حدث بالضبط وبنفس الاستراتيجية الممنهجة لأشخاص آخرين أعرفهم شخصياً هنا وفي دولٍ أخرى.
ومن خلال ملاحظاتي وتحليلاتي الشخصية لما يحدث في أماكن العمل استنتجت ما يلي.. أن الناجح دائماً مُحارب، خصوصاً إذا لم يكن ينتمي إلى “المجموعة”، ومن ينتمي إلى المجموعة بغض النظر عن كفاءته يكون مقرباً ومحبوباً، ويحصل على الامتيازات بسهولة مقارنة بالناجح والأكثر إخلاصاً وكفاءة، وأن الناجح عادة ما يتم انتقاده والحديث عنه بشكل سيء من قبل من هم أقل نجاحا ومهنية وكفاءة، وذلك خوفاً وحسداً لأنهم لن يكونوا مثله، ليس لأنهم لا يستطيعون الاجتهاد أو العمل على التطوير المهني والذاتي، فالجميع يستطيع ذلك، لكنهم اختاروا عدم بذل الجهد، كما أن ذلك هو ما يعرفون فعله فقط، وما اعتادوا عليه من تصرفات تناقلت عبر الأجيال. قال تعالى: (قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ}.
كما واستنتجت أيضاً، أن النميمة ونقل الأخبار ونشر الفضائح وإفشاء الأسرار بين زملاء العمل يزيد الشعبية والإثارة، بل وقد يسهم في الحصول على الامتيازات!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى متى ستستمر هذه الممارسات المتخلفة في التكرار؟ وإلى متى ستستمر المؤسسات في فقدان المميزين وأصحاب الكفاءات؟ وكيف سيتم تفعيل الرقابة على المؤسسات للحد من هذه التصرفات؟
وأخيراً، أقتبس مقولة شارلز بوكوفسكي “أينما يذهب الجمع، اذهب في الاتجاه المعاكس، إنهم دائماً على خطأ”، فمعيار الأغلبية معيار خاطئ في تحديد الخطأ والصواب. وقال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (وأكثرهم لا يعقلون)، وقال تعالى: (ولكن أكثرهم لا يعلمون).
* إعلامية بحرينية ومدربة دولية معتمدة