تلجأ جهات عديدة للتحكيم كبديل ناجع لتسوية المنازعات التي تطرأ، وسريان وتيرة التحكيم يتوسّع ويزداد نظرًا لما لهذا المنفذ من مزايا عديدة تهدف لتحقيق العدالة الناجزة. وليتم تحقيق الغرض، ننصح الأطراف بضرورة إعداد شرط التحكيم بصورة واضحة تقود مسار التحكيم للنهاية السليمة. نقول هذا، لأننا لاحظنا أن الإشارة للتحكيم تتم بصورة مقتضبة لا تساعد في إنجاز المهمة.
هناك مراحل أولية للتحكيم تتمثل في الاتفاق على التحكيم واختيار هيئة التحكيم. وتبدأ إجراءات التحكيم الأولية حتى الوصول لمرحلة إجراءات سماع دعوى التحكيم. وأهمية إجراءات السماع تتمثل في أنها الخطوة المناسبة لكل أطراف التحكيم لتقديم وعرض ما عندهم من دعاوى أو دفاع أو مطالبات جانبية متقابلة. وعلى هيئة التحكيم (أو المحكم الفرد) إرسال دعوة حضور السماع للأطراف، وذلك مع تحديد فترة زمنية معقولة ومناسبة تمكنهم من إعداد أنفسهم والتجهيز للظهور أمام هيئة التحكيم في الزمان وفي المكان المحددين.
وفي جميع الأحوال لا بد من توضيح أن من سلطات هيئة التحكيم (المحكم) اختيار وتحديد مكان التحكيم وتاريخ ومواعيد السماع. وفي بعض الحالات ربما تكون هناك صعوبة في تحديد زمن مناسب ومقبول لجميع الأطراف بما فيها هيئة التحكيم، وذلك نظرًا للارتباطات والجداول المزدحمة وربما عدم وجود الجميع في مكان واحد. وفي العادة تتمثل الصعوبة خاصة في اللقاء الأول نظرًا لوجود الأطراف في أماكن أو بلدان متعددة، ولكن هذه الصعوبة قد تقل ويذوب بعض الجليد عندما يكون كل الأطراف ماثلين أمام هيئة التحكيم. ولتجاور مثل هذه الصعوبات، ربما يكون من الأمثل تحديد وقت كاف للجلسة الأولى يراعي ظروف كل الأطراف خاصة إذا كانوا في أماكن وبلدان متعددة.
إن إعلان الأطراف للسماع أمر مهم ويجب أن يتم الإعلان وفق الطرق القانونية الإجرائية السليمة وإلا فإنه سيفقد قيمته لأنه لا يجوز اتخاذ الإجراءات في مواجهة أي طرف لم يعلن إعلانًا صحيحًا ووفق الإجراءات القانونية السليمة. ونذكر مثلًا، أنه وبالنسبة لإجراءات الجمعية الأمريكية للتحكيم (أي أي أي) فإن هذه الإجراءات تشترط على هيئة التحكيم منح الأطراف مدة زمنية مقدارها “شهر” على الأقل للمثول لسماع دعوى التحكيم ولذا يجب على الإعلان التقيد بهذا الشرط الآمر أو غيره في اللوائح الأخرى.
يجب على هيئة التحكيم التأكد من أن كل طرف تم إعلانه إعلانًا صحيحًا خاصة إذا تبيّن أن أحد الأطراف غائب عن الحضور. ووفق القانون فإن الإعلان الصحيح يمنح هيئة التحكيم الحق بالسير في الإجراءات وعدم تعطيلها لأن الطرف الغائب على علم بها وعليه تحمل تبعات غيابه وكل النتائج المترتبة عن هذا الغياب، هذا ما لم يكن هناك عذر مشروع مقبول ومسبب لهذا الغياب. وفي جميع الأحوال يعود لتقدير هيئة التحكيم القرار فيما إذا كان عذر الغياب مشروعًا ومقبولًا، وفي مثل هذه الحالات تظهر حكمة هيئة التحكيم وكيفية استخدامها لسلطتها التقديرية. ولا بد من الموازنة بين من يغيب لأسباب جوهرية ومن يغيب من أجل الغياب فقط.
إن لوائح التحكيم الخاصة بالجمعية الأمريكية للتحكيم ونظام منظمة الوايبو، وكذلك قانون يونسيترال النموذجي ومركز تحكيم الخليج بالبحرين ومركز التحكيم السعودي، جميعها، تشير إلى ضرورة أن يتم التأكد من أن الإعلان لحضور السماع تم صحيحًا، وإذا كان هناك أي غياب أن يكون مسببًا ومشروعًا ومقبولًا حتى يتم تأجيل السير في إجراءات السماع أمام هيئة التحكيم. وكل هذا لضمان حفظ الوقت وعدم السماح للتسيب أو عدم الانضباط من أي طرف، خاصة وأن السرعة في الحسم وكسب الوقت والحفاظ عليه من أهم الدعائم التي يقوم عليها التحكيم.