ودعنا دورة الألعاب الأولمبية - باريس 2024، بحلوها ومرها، هناك من توج بميداليات، وهناك من حضر لرفع العلم والمشاركة بالبطاقة البيضاء، وهناك من حاول ووصل للأدوار النهائية، لكن الخبرة ظلمته أمام أبطال كبار، والوصول للقمة ليس سهلا، وهو عادة وكلام العرب. ولن أتحدث عن حفل الختام، ولا عن حفل الافتتاح الذي لم يكن بالصورة اللائقة، وتعرض للانتقاد من الرياضيين والسياسيين ومعظم المجتمعات والشخصيات الدينية على مستوى العالم، لما حمله من مشاهد لا تليق بالألعاب الأولمبية ورسالتها السامية. فمنذ تأسيس الألعاب الحديثة على يد “بيير دي كوبرتان” في عام 1896، كان الهدف الأساسي تعزيز التفاهم الثقافي والسلام بين الأمم من خلال الرياضة وروحها الجميلة، فالألعاب فرصة لجمع الرياضيين من جميع أنحاء العالم للتنافس بروح رياضية وأخلاقية، وما حدث في افتتاح أولمبياد باريس شيء مثير للسخرية بكل القيم الإنسانية، وسيبقى في الذاكرة كأسوأ افتتاح مثير للجدل والانقسامات.
اليوم، الدول تحتفل بإنجازات منتخباتها، وما حققه أبناؤها في الدورة الثالثة والثلاثين، فالأولمبياد تبدأ بأهازيج للمشاركين وهم يرتدون زيهم الوطني التقليدي، وتنتهي بنهايات حزينة وعثرات للبعض وأفراح للآخرين، فالأحلام تبخرت، وطارت الطيور بأرزاقها، البعض بالذهب أو الفضة أو البرونز الأولمبي. ونجح الرياضيون العرب في إحراز سبع ميداليات ذهبية، وأربع فضيات وست برونزيات، وتعود الميداليات الذهبية بكل جدارة واقتدار لكل من مملكة البحرين والجزائر وتونس والمغرب ومصر، وبكل حال، تحقيق هذه الدول الميداليات مفخرة لكل العرب، فيما حققت الأردن فضية وقطر برونزية، وهو نتاج مخاض طويل من الإعداد، فالفوز ليست له علاقة بعدد السكان أو كبر حجم الدولة أو مساحتها، بل الأمر يتطلب فكرة واتحادا ورؤية وإعدادا، وتخصصا في رياضات معينة تناسب ثقافتنا وشبابنا وطبيعتنا ومناخنا وتضاريس بلداننا.
الإنجازات تأتي نتيجة إعداد واهتمام ودعم ومتابعة من اللجان الأولمبية الوطنية، فالأبطال لا يولدون جاهزين وفي أفواههم ملاعق الذهب، فهناك دول شاركت وحصدت ميداليات، وهناك دول ليست لها علاقة برياضة محددة، لكن تخصصت واستعدت ونجحت في مقارعة الكبار.
في النهاية، يجب أن نتذكر أن الهدف من الأولمبياد المنافسة وتحقيق الميداليات، وليس المشاركة والحضور، فالتقليد القديم انتهى، والمحاسبة ضرورية لأية لجنة أولمبية أو اتحاد رياضي عربي، فكيف لا وهناك دول لا تملك ما نملكه نحن العرب، وحققت ميداليات (كاب فيردي، بيرو، زامبيا، كينيا، وأوغندا، سان لوسيا، تايبيه، الدومينيكان، جواتيمالا، بتسوانا، دومنيك)، ليس تقليلا منها، بل إنه تأكيد بأن البطل يجهز ويبنى للأولمبياد بعد ختام كل دورة أولمبية.
عموما، خلال مشاركتي وحضوري أولمبياد أتلانتا وسيدني وأثينا وبكين ومتابعتي للندن وطوكيو وباريس، كان الطموح الوطني والعربي في أحيان كثيرة لا يتخطى طموح المنافسة الحقيقية مع الأبطال، بل المشاركة من أجل المشاركة، فمتى يأتي اليوم الذي نحتفل فيه بالأبطال والإنجازات الأولمبية والرياضية، فالانتقادات تأتي انطلاقاً من حبنا، لرياضيينا العرب، فألف مبروك لمملكة البحرين بما حققته من إنجاز يستحق الثناء والإشادة.. والله من وراء القصد.
كاتب ومحلل سياسي عماني