العدد 5755
الأربعاء 17 يوليو 2024
banner
أميركا المنقسمة ومشروع 2025
الأربعاء 17 يوليو 2024

 

هل الولايات المتحدة الأميركية حقيقة على موعد مع أزمنة صعبة؟ التساؤل المتقدم، لا يتحدث مجازا عن أحداث قد تشهدها الدولة العظمى، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، بل يتناول بالفعل رؤى قد تغير الأوضاع وتبدل الطباع مرة وإلى ما شاء الله. يكفي الناظر إلى الولايات المتحدة أن يتابع تطورات المشهد الانتخابي المأزوم، ليدرك قدر الهاوية المحدقة بالبلاد، جراء انقسام الديمقراطيين، بين من يؤيد بقاء بايدن في السباق الانتخابي، ومن يرى أنه حان الوقت لرحيله، وفي المقابل يبدو وكأن الجمهوريين يعمقون بدورهم حالة التشظي، بشكل أوسع، ويتجهزون لدولة أخرى، غير أميركا الفيدرالية التي عرفها العالم، منذ زمن الآباء المؤسسين.. ما هي أبعاد التطورات الأخيرة؟
باختصار غير مخل، باتت قصة "مشروع 2025"، تشغل انتباه ملايين الأميركيين، سيما أنها تبدو كانقلاب من المحافظين على البنية الهيكلية لأميركا التقليدية. عن مركز "التراث" ذي المسحة اليمينية المتشددة، صدر قبل نحو عام تقرير يحمل عنوان "مشروع 2025"، وهو رؤية محافظة لأميركا أخرى، رؤية تعود بأميركا اليوم إلى الأزمنة الأولى التي اعتبر فيها المهاجرون الأوروبيون تلك البقعة من الأرض الجديدة بمثابة قبلة مقدسة للناجين من سخط الأحادية الدينية الأوروبية. هل من يسعى لتحويل أميركا إلى دولة دينية بالمطلق؟ يكاد مشروع 2025 أن يقول ذلك بدون تصريح، غير أن العين تغنيك عن أن تطلب الأثر في كثير من الأحايين. الهدف الرئيس من المشروع عند واضعيه، والذي جاء في نحو ألف صفحة تقريبا، هو إصلاح هيكل الحكومة الأميركية، وذلك من خلال توسيع سلطات الرئيس والرئاسة من جهة، وتقليص الدور المهيمن للقوى الفيدرالية العاملة في الدولة. ولعل القراءة المعمقة للمشروع تفيد بأن السبب الرئيس لنشوء وارتقاء المشروع هو تصرفات الليبراليين الانفلاتية في عموم الجمهورية الأميركية، ويأتي على قمة هؤلاء اليسار الأميركي الديمقراطي المساند لبايدن بنوع خاص.
من هنا ظهرت حاجة ماسة وفرصة فريدة للمحافظين للبدء في إزالة الضرر الذي أحدثته تلك التيارات ذات المسحة الاشتراكية، والتي غالب الظن وضع لبناتها الأولى باراك أوباما خلال ثمانية أعوام من ولايتيه.
يحمل المشروع فكرة مثيرة، ومؤكد أنها خطيرة تتمثل فيما يعرف بـ "كتاب القواعد"، والذي يهدف إلى تغيير معالم الدولة الأميركية خلال 180 يوما، الأمر الذي حدا بالبعض إلى اعتباره نوعا من الانقلاب الداخلي من اليمين تجاه اليسار، سيما أن بنوده تكاد تكون مدعاة لمواجهة مسلحة بين الأميركيين المحافظين، وآخرين من اليسار الليبرالي المتحرر قسرا.
فكرة المشروع تتمحور في أنه لا يكفي فقط فوز مرشح محافظ بالرئاسة الأميركية، بل تطالب بأجندة حاكمة، حال الرغبة الحقيقية في إنقاذ البلاد، ولهذا هي خطة طريق لأي رئيس جمهوري قادم، وليس دونالد ترمب فحسب، والذي ينفي علاقته به، وإن بدا وكأنه يباركها ويشجعها خلسة. بعض معالم هذا المشروع مخيفة بالفعل، فالبداية من عند تقليص قوة اليد الأمنية الأميركية الداخلية، أي مواجهة "الأخ الأكبر"، المتمثل في المباحث الاتحادية، والأجهزة الاستخبارية المختلفة، التي تعد الأنفاس على المواطن الأميركي.
ملامح المشروع كذلك أقرب ما تكون إلى ثورة دينية، فهي تجرم المواد الإباحية، وتفرض حظرا شاملا عليها، وتمنع بيع حبوب الإجهاض، كما تطالب بحل وزارتي التجارة والتعليم.. لماذا هاتان الوزارتان تحديدا؟ ببساطة لأن الأولى مغرقة في النمط الاستهلاكي العولمي، والثانية تقود الأجيال الأميركية القادمة إلى مآلات التفلت الأخلاقي والروحي، ولهذا ستكون الخطوة الأولى لها، فصل نحو خمسين ألف موظف فيدرالي، لاسيما أولئك الذين يصفهم المشروع بأنهم سيضحوا في لحظة بعينها عقبة أمام مسيرة تطهير أميركا من الداخل.
هل هذه بالفعل مقدمات حرب أهلية أميركية ثانية؟
ربما أشرنا من قبل إلى تقرير مركز "آفاق الكندي" الذي بدأ يتساءل عما يتوجب فعله، حال انطلقت شرارة الحرب الأهلية في الداخل الأميركي. هذا المشروع حكما سوف يستدعي مواجهات دموية حال تحول من أفكار إلى أفعال، خصوصا في ظل رفض مطلق من الدولة العميقة للتسليم بمكتسباتها التاريخية.
ربما نكون قريبين من رؤية "يوهان غالتونغ"، عالم السلام النرويجي الأشهر عن تفكك أميركا بحدود 2025 كما توقع تماما.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية