يصادف اليوم الأحد الأول من شهر محرم، أي يوم رأس السنة الهجرية، مناسبة مباركة، وأعياد مفترجة، وذكرى سنوية عطرة.
ذكرى تعلمنا منها أن الهجرة ليست نهاية العالم، وأن السفر من قدر الله إلى قدر الله هو اختيار، رغبة في تحقيق الأفضل، إيمان بديمومة الرسالة.
إن دين الله حق، ودين الله هو الإسلام، أي السلام، التعايش والتسامح والمحبة، لم يكن ضمن رسالة الرسول عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام ما يحض على الكراهية، ما يحرض على التفرقة والتمييز، ما يميل لصالح فرقة على حساب بقية الفرق، أو لجانب جنس أو لون أو عرق على حساب بقية الأجناس والألوان والأعراق.
هذا هو ديننا الإسلامي الحنيف، ومن يقل بغير ذلك فهو لا يعلم إلا أقل القليل من تعاليمنا السمحة، ومن قرآننا الكريم، ومن سلوك أنبيائنا وأئمتنا والمصلحين من بني جلدتنا، والمفكرين الصالحين في هذا العالم المرتبط تكنولوجيا ببعضه البعض، وفطريًا بما فُطرنا عليه، ونشأنا في كنفه، واتبعنا هواه.
إن رأس السنة الهجرية يذكرنا بمناقب ليس لها عدد، فهي تؤكد لنا أن الرسالة لكي يُكتب لها النجاة لابد أن يدرك حاملها بأن نشرها لن يكون يسيرًا أو سهلاً، فالهدف الإلهي الأسمى لابد أن ينتصر في النهاية، لابد أن يكون المطاف ممكنًا لا مستحيلاً رغم صعوبة المرتجى، وضخامة التحدي، هذا هو ما تعلمناه وهو ما تربينا عليه.
إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن كان في برنامج حياته كفاح وجهاد من أجل تثبيت الحق والعدل، والرحمة والإخاء، والمساواة بين الناس.
أهلنا في غزة، قد لا تهيئ لهم ظروفهم القهرية الاحتفاء بهذه المناسبة المباركة الكريمة، فهم يعيشون الموت في كل لحظة، والضياع في كل خطوة، وغياب الأمل في كل نبرة صوت أو صرخة طفل أو أنين أم ثكلى.
فلسطين يا رجالات العرب ويا أمة العرب والمسلمين تعاني الأمرين، شعبها الشقيق ومن دون أدنى ذنب تُرتكَب بحقه جرائم إبادة جماعية “من عدو الله وعدوكم”، تهجير قسري لم يسبق له مثيل، عدوان على الأمومة والطفولة، وهضم لحقوق الإنسان في العيش والحياة والعلاج والغذاء والكساء، وكل ما يخطر أو لا يخطر على بال.
رأس السنة الهجرية تحل علينا في هذه الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا، وأمتنا تأخذها الريبة والغفلة والخوف، وكأنه لا توجد لدينا مقومات الدفاع عن النفس أو معطيات المقاومة حتى النهاية.
الجميع في غزة يموتون بدم بارد بلا أدنى مقاومة تذكر، فما يتحدث عنه العدو من أسلحة فتاكة لدى فصيل من الفلسطينيين لا يتجاوز مجرد حجة واهية لقتل كل طفل في أراضينا المحتلة، وتدمير كل بين على المدى المنظور من العين المجردة، وحرق كل شجرة زيتون تحاول أن تطل برأسها تحت وابل النيران الكثيفة التي يتعرض لها شعبنا المكلوم في الوطن مهيض الجناح.
ليس أمامنا من مفر إلا أن نقف مع أشقائنا في غزة وغيرها، حتى نخفف الضغط الرهيب الذي تمارسه سلطة الاحتلال الإسرائيلي على شعبنا هناك، لابد وأن نفعل أي شيء.. أي شيء بوقف المجازر الـلا إنسانية، والجرائم البشعة ضد كل أشكال الإنسانية.
فهيا بنا ندعو ضارعين متضرعين إلى السماء، رافعين أيدينا لله عزّ وجل أن ينعم على أهلنا في غزة والضفة وكافة الأراضي المحتلة، بنعمة الأمن والأمان، وأن يديم علينا بالكثير من النعم، إنه نِعم المولى ونِعم النصير.