العدد 5743
الجمعة 05 يوليو 2024
banner
دور الشركات في المساهمة المجتمعية
الجمعة 05 يوليو 2024

تلعب الشركات دورا هاما في دعم الاقتصاد الوطني وتحريك التجارة الداخلية والخارجية على مدار الساعة لصالح المستهلك والمستثمر. وفي نفس الوقت، تهتم الشركات بالجانب المجتمعي وذلك عبر الوسائل التي تقوم بتقديم الدعم والمساهمة لتنمية ودعم المجتمع الذي تعمل فيه الشركة واليه تعود. وهذه "المساهمة المجتمعية" ولأهميتها، آخذة في الزيادة وهذا تطور إيجابي وحميد يجب أن يجد العناية من كل الأطراف والجهات المرتبطة خاصة من القطاع الخاص ومؤسساته الشامخة.

وفي خلال هذه الأيام، قامت "صحيفة البلاد" وبكل همة بإطلاق قائمة "أقوي 50 شركة بحرينية للعام 2024". وكما اتضح لنا أن من أبزر المعايير الفنية لتقييم هذه الشركات (أقوى 50 شركة بحرينية) تضمن مدى الالتزام بالحوكمة، والمساهمة المجتمعية تعتبر من أهم مبادئ حوكمة الشركات ومن الواجب تكريم من يتقيد بها وينفذها ويكون قدوة للآخرين. وهذا بالطبع، في البحرين، وعلى مستوى العالم حيث تم تقنين مبادئ الحوكمة التي تطبقها الشركات بصورة مؤسسية سليمة وتصدر التقارير السنوية الخاصة بها.

ومن الملاحظ للعيان، ومنذ فترة، أن الشركات وتقديرا لمجتمعها شعرت بضرورة إعادة جزء من الأموال والأرباح التي تجنيها لتصب في مشاريع يستفيد منها المجتمع الذي أتت منه الأرباح والفوائد الكثيرة. وبالطبع فإن نظرة كل شركة لدورها في "المساهمة الاجتماعية" تتوقف على إدارتها وفلسفتها ورؤيتها لهذه المساهمة الطوعية التي تقوم بها وتقدمها عن طيب خاطر وبروح طيبة معطاءة تعود لهم في آخر المطاف.

و"المساهمة الاجتماعية المجتمعية" الآن، وكما ذكرنا، من مبادئ الحوكمة الحديثة التي تتبعها الشركات حتى لا تغرد خارج السرب في ما يتعلق بهذا النشاط الحيوي الهام للمجتمعات الحديثة. وعلى جميع الشركات وضع اللوائح والأنظمة والأسس والضمانات التي تسهل تنفيذ المساهمة الاجتماعية المجتمعية بطرق سليمة ووفق المتطلبات القانونية وأحكام ضوابط الحوكمة. وهذا بالطبع يشمل كل أنواع وشرائح الشركات التجارية وغيرها، وبصفة خاصة البنوك والتأمين والاتصالات والمواصلات والاستثمارات وكذلك كل الشركات العائلية والعامة والخاصة. وفي هذا فليتنافس المتنافسون من أجل الخير وللخير وليربح الرابحون.

ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن "المساهمة المجتمعية" يجب أن تأخذ شكلا محددا ونمطا ثابتا مدروسا بطريقة مؤسسية سليمة وليس بين حين وآخر وفق المزاج، وليس"فتات" إكرامية أو "عطية مزين". بل يجب أن يتم بشفافية وإفصاح ومساءلة، ووفق برمجة مؤسسية ثابتة سليمة متكاملة تلتزم بها الشركة بكل أريحية وكرم وعطاء بقصد الخير.

وبعض الشركات "تتفنن" وتبدع في المجالات التي تختارها وتحرص على تقديم المفيد والجديد والدائم المستمر للمجتمع، كالمساهمات التي نراها تقف شامخة في القطاع الطبي والصحي أو التعليمي أو أنشطة دعم الشباب والمرأة أو البيئة والسلامة، وكذلك تقديم الدعم المادي والمعنوي لموظفي ومنتسبي الشركة "والأقربون أولى بالمعروف"، وراحة هذه الشرائح العاملة بكل نشاط فيه راحة للمجتمع لأنهم من أهم قطاعات المجتمع.
وهناك شركات، في الجانب الآخر، تقدم هذه المساهمة دون بث روح الشركة فيها ومن دون إبداع أو حرفية و تشعر أنها تقوم بالعمل تأدية واجب فقط أو للبهرجة الإعلامية أو المصالح الشخصية الذاتية. وهناك فارق كبير بين الحالتين المذكورتين. وهذا، في نظرنا، يستدعي المراجعة لخلق أرضية عامة "مثالية" يستفيد منها المجتمع وفق احتياجاته المنطقية مع التنفيذ، وعلى أفضل وجه وأحسن حال.

ولقد ذكرنا عدة مرات، أنه قد يكون من المفيد جدا تكوين هيئة "قومية وطنية" لوضع استراتيجية عمل وتنسيق كل الأمور الخاصة بالمساهمة المجتمعية التي تقدمها الشركات وذلك وفق إطار عام يخدم كل أطياف المجتمع ووفق الاحتياجات العاجلة والضرورية. وهذه الهيئة تضم عناصر من القطاعين العام والخاص، وربما تكون ذات صفة استشارية أو إلزامية على حسب التقدير. ولكن وجودها هام لضمان المساهمة والتنفيذ بصورة وطنية "عامة" بعيدا عن نظرة الشركات التي ربما تكون "شخصية" ولا تخلو من الأغراض الذاتية للشركة وملاكها وجيوبهم. والهدف المطلوب أسمى من هذا. وبعض البلدان اختارت الذهاب للميل الإضافي، وقامت بوضع تشريعات قومية تلزم الشركات بتجنيب نسبة معينة من أرباحها وتخصيصها للصرف المبرمج في المساهمة المجتمعية. وهناك من ينتقد، ويقول إن هذا يشكل نوعا جديدا من الضرائب والجبايات على الشركات.
وهناك من يرى، أن الأمر لا يمكن أن يعتبر نوعا من الضرائب لأن الشركات هي التي تقوم بنفسها وبطوعها واختيارها بتحديد المشاريع الخاصة بالمساهمة الاجتماعية، وهي التي تقوم بالصرف وتوفير المال حسب رؤيتها وأولوياتها. وهذا بعيد كل البعد عن الضرائب وما شابهها والتي تسلم للدولة عدا نقدا كفرض عين وبدون تهرب ضريبي، والدولة هي التي تتصرف فيها بمطلق الحرية على حسب الموازنات العامة المعدة سنويا بأرقام مدروسة.

ربما يكون مفيدا دراسة إمكانية الاستفادة من كل التجارب من العالم، حتى تؤتي المساهمة المجتمعية أكلها هنيئا مريئا لكل المجتمع. وفي النهاية فإن المجتمع هو الذي سيقرر مدى نجاح ما تم تقديمه له ومدى الفائدة التي عادت له. ومن هذا الرابط الثمين تنمو العلاقة وتلتحم بالحبل السري بين الشركات والمجتمع، وتنعدم روح الأنانية والفائدة الذاتية. وهذا يعزز مفهوم التنمية المجتمعية والتنفيذ بسلاسة لمصلحة الجميع ويساهم فيها بكل سخاء ونكران ذات شركات الجميع.

والمتجول في البحرين يرى، وبكل فخر واعتزاز، أسماء العديد من الشركات البحرينية التي ساهمت في تنفيذ العديد من المشاريع المجتمعية العملاقة في مجال الصحة والتعليم ودور العبادة والحسينيات والمباني الجميلة والتجمعات الخاصة بالأفراح والأتراح.. وغيرها. وعلى هذا النحو ليسير الجميع بسرعة نحو الحسنة في الدنيا والآخرة. والجميع كسبان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .