لا يمكننا أن نختلف في أن القمم العربية والتجمع العربي تحت مظلة واحدة أمر جيد، بالإضافة لصدور بيان يحمل مضامين ورسائل وقرارات تغطي الشأن العربي والدولي، ونتطلع إلى أن يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بروح من المسؤولية والشعور بأن المنطقة أمام خطر داهم لا محالة لن تنجو منه أية دولة في السنوات القادمة، بمعنى ظهور شرق أوسط جديد، نعرف أن الدول العربية جميعها لا تدخر جهدا في دعم العمل العربي المشترك.
القضايا المطروحة في القمة كانت كثيرة ومتعددة، بدءا من قضيتنا الأولى والمهمة “فلسطين” مرورا بالسودان واليمن والصومال وسوريا ولبنان والعراق وليبيا والأوضاع في جزر القمر، أزمات تحل هنا، وأخرى تندلع هناك، وهذه تتراكم خطورتها وتتصاعد بسبب تدخلات خارجية ونوايا غربية معروفة المصدر والأسباب، لمصالح سياسية وأمنية واقتصادية، فقد آن الأوان لوقفها قبل نفاد خزائننا، وتدمير ما بنيناه في سنوات وسنوات من تنمية وازدهار في دولنا العربية. ومما ميز قمة البحرين كلمة الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”. قمة تبنت لغة المنطق، لأنها تدرك جيدا أن الحلول تكمن في تطبيق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحكمة العليا وليس الحل العسكري، مع أن هذه اللغة لم يصبح لها وجود في القاموس العالمي بعد تمزيق الوزير الإسرائيلي قانون الأمم المتحدة وأخواتها، وبعد أن سقطت كل القوانين وفشل العالم في وقف الإبادة والقتل والتدمير والتهجير في غزة وضواحيها. لكن “جوتيريش” وجه صاروخا عبر القارات من هذه القمة ودعا القادة العرب للاتحاد والتضامن والوحدة لمواجهة ما هو قادم. فوصف الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته في القمة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة بـ “الجرح المفتوح” الذي من شأنه أن يتسبب بعدوى في جسد المنطقة برمتها ويتوسع لأماكن أخرى.
تحذير “جوتيريش” الكاثوليكي الديانة والإنساني بمواقفه المشرفة وتصريحاته لكل القادة من العدوان الإسرائيلي الذي قال عنه “هو الأكثر فتكا من بين كل ما شهده من نزاعات وحروب”، مشددا على ضرورة الحفاظ على الطابع الديموغرافي والتاريخي للقدس والوضع الراهن في الأماكن المقدسة.
وأكد: “اننا بحاجة إلى إصلاحات عميقة للنظام العالمي متعدد الأطراف من مجلس الأمن إلى الهيكل المالي الدولي لكي يصبح عالمي الطابع بحق ويكون ممثلا للواقع المعاش في هذا العصر”. ليضع جوتيريش النقاط على الحروف في هذه القمة، وعلى كل العرب تبني كلمته كأساس وخارطة طريق لما هو قادم.
فما بالنا بدعوته الصريحة عندما أكد أن “الاتحاد” هو الشرط الأساسي الوحيد للنجاح في عالم اليوم، وأن الانقسامات تفسح المجال لتدخل أطراف خارجية، ما يغذي الصراعات ويؤجج التوترات الطائفية، رسالة عميقة من رجل أراد رد الجميل للعرب الذين ساندوه للفوز بهذا المقعد الأممي.
فأنطونيو جوتيريش قال إننا نملك إمكانيات هائلة وبشرا وثقافة، لكن ينقصنا الاتحاد، فالانقسامات هي سبب ضعفنا وتقسيمنا وهي التي تسمح لتدخل الآخرين فينا كما ذكر، ما يغذي الصراعات ويؤجج التوترات، لتأتي رؤية مملكة البحرين مع هذا الطرح البناء من خلال المبادرات التي اعلنت في القمة.
فصوت الحق جاء هذه المرة من رجل يقود أهم كيان سياسي، مشيرا إلى أن “الاتحاد” من شأنه إسماع صوت المنطقة ذات الأهمية الحيوية، بمزيد من القوة وتعزيز التأثير على الساحة العالمية. فهل من مستمع لهذا النداء الواقعي والمنطقي في عالم يعمل من أجل تفتيت دول المنطقة والسيطرة على ثرواتها وتغيير ديانتها ونشر العلمانية والحريات الكاذبة في بلداننا الإسلامية.
لذا فإن قمة البحرين نستطيع أن نطلق عليها قمة “المصارحة والتحديات”، فالتحديات كبيرة، والمصارحة جاءت على لسان جوتيريش وهذه جميعها تتطلب توحيد الجهود لمواجهتها، والاتفاق على عدد من القرارات لتنفيذها سياسيا واقتصاديا بما يكفل للأمة العربية العيش بسلام وأمان دائم ومستدام.
فعيلنا أن نسخر كل إمكانياتنا وثقلنا كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة في المجتمع الدولي من أجل أن ننعم بالاستقرار، ونوقف إسرائيل عند حدها بالاتفاق والشراكة مع أصدقاء السلام، وهذه المعادلة يكون تنفيذها بوحدة الصف العربي واندماج الرؤى؛ كما قال الكاثوليكي الطيب الإنسان.
صحيح أن كثيرا من القضايا ليست جديدة ولا طارئة، لكن الصحيح أنها ككرة الثلج كلما تأخر الوصول إلى حلول لها كلما توسعت وزادت خطورتها على دول المنطقة، وأصبحت لدينا قناعة بأن إيجاد حلول لها هو بأيدي القادة.
أعلنها الأمين العام في قمة البحرين، وترك لنا القرار لخوض المعركة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية من أجل وحدتنا أولا، ولنكون أو لا نكون، وأيضا السعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد الرفض الغربي والفيتو الأميركي.
إن “حل الدولتين” يتم عبر دعوة جماعية لمؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية كما جاء في البيان الختامي، وكما يقال في الأمثال “الضرس ليمن رقل من شلعته لابد”، “لابد من شلعه والتخلص منه”، لأنه لا أمل في علاجه، فيصبح من الخطر بقاؤه، والتدخل في “شلعه” هو الحل السريع، ف”الجرح المفتوح” في غزة من شأنه أن يتسبب بعدوى في جسد المنطقة برمتها، والاتحاد ضرورة للبقاء والانتصار.. والله من وراء القصد.
كاتب ومحلل سياسي عماني