العدد 5612
الأحد 25 فبراير 2024
الذكاء الاصطناعي: التحديات الأخلاقية وسبل مواجهتها (2-2)
الأحد 25 فبراير 2024

للتغلب على تحديات الذكاء الاصطناعي، من الضرورة بمكان اتباع نهج شامل، يركز جهوده على  تعزيز الشفافية والعدالة والأمن والمعايير الأخلاقية. وهذا ينطوي على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي قابلة للتفسير ومخففة من التحيز، وتعزيز التدابير الأمنية، والالتزام بالمبادئ التوجيهية الأخلاقية، وتطوير برامج محو أمية الذكاء الاصطناعي على أوسع نطاق. 
على نحو مواز لا بد من تطوير، بشكل تدريجي وانسيابي، الأطر التنظيمية لمواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي، وضمان أنها تعزز الخصوصية والمساءلة والتعاون الدولي. وبشكل مستمر،  لا بد من إشراك مجموعة واسعة ممن لديهم الرغبة في تطوير أشكال، واستراتيجيات مواءمة تنمية استخدام الذكاء الاصطناعي، مع القيم والاحتياجات المجتمعية. مثل هذه السياسات والإجراءات المرافقة لها بوسعها تمهيد  الطريق لمستقبل واعد يتم فيه المواءمة السليمة القادرة على تعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي، سوية مع تقليص مخاطره والنتائج التي تولدها.
ويمكن سرد، وتلخيص سياسات وإجراءات مواجهة التحديات التي يولدها استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي، والخوارزميات التي تصاحبها عن طريق السياسات، والخطوات التالية:
1. التنظيم والتشريعات: وهذا يتطلب إصدار التشريعات التكيفية، وتطويرها كي يتسنى لها التكيف مع التطورات السريعة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وضمان أن تظل اللوائح ذات صلة، وتتمتع بالمرونة التي تتطلبها سياسات التغيير والتطوير. ولا يمكن أن يتم ذلك بعيدا عن اتفاقيات  التعاون الدولي القادرة على إنشاء إطار متماسك لحوكمة الذكاء الاصطناعي، لضمان معالجة المخاوف العالمية مثل المراقبة والأسلحة ذاتية التشغيل، وتدفقات البيانات عبر الحدود. 
2. تعزيز الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي: وضع مبادئ توجيهية وأطر أخلاقية لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي. يترافق ذلك مع التدريب المستمر على الأخلاقيات، القادرة على دمج التدريب على الأخلاقيات للباحثين في مجالات الذكاء الاصطناعي والمطورين لها والمستخدمين لخدماتها، للتأكد من أنهم على دراية بالآثار الأخلاقية لعملهم. 
3. تعزيز الأمن والخصوصية: ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنفيذ أحدث التدابير الأمنية لحماية أنظمة الذكاء الاصطناعي من القرصنة والاستخدام الضار. ويتضمن ذلك التشفير وخوارزميات الذكاء الاصطناعي الآمنة وتقييمات الأمان المنتظمة. يترافق ذلك مع الاستعانة بتقنيات الحفاظ على الخصوصية.
4. تحسين قابلية الذكاء الاصطناعي للتفسير والشفافية: يتحقق ذلك  بتطوير صياغة نصوص وأشكال مخرجات الذكاء الاصطناعي، كي تصبح سهلة الفهم وقابلة للتفسير. وهذا ينطوي على إنشاء أنظمة يمكنها شرح عمليات صنع القرار بعبارات مفهومة.
5. التنظيم والمعايير: تنفيذ اللوائح والمعايير التي تفرض الشفافية في أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة تلك المستخدمة في المجالات الحيوية مثل الرعاية الصحية والتمويل وإنفاذ القانون. ويعد وضع لوائح ومعايير واضحة لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا للتخفيف من المخاطر، وضمان تطبيقها بشكل أخلاقي ومفيد.
 
6. تعزيز الخصوصية وحماية البيانات: ويتحقق ذلك من خلال ضمان الحفاظ على الخصوصية الفردية عند بناء الحفاظ على الخصوصية في مرحلة تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يضمن أن جمع البيانات ومعالجتها يحترمان خصوصية المستخدم. يتزاوج ذلك مع تطبيق مقاييس حوكمة البيانات بشكل صارم عن طريق إنشاء أطر واضحة لحوكمة البيانات، تحدد كيفية جمع البيانات واستخدامها ومشاركتها، مع الالتزام بمعايير صارمة لحماية البيانات.
7.    التعاون: يعد تعزيز التعاون بين الباحثين والمطورين وصانعي السياسات والجمهور أمرًا بالغ الأهمية لتطوير الذكاء الاصطناعي المسؤولة والفعالة.
8.    الاستثمار: من الضروري زيادة الاستثمار في البحث والتطوير والتعليم في الذكاء الاصطناعي لمواجهة هذه التحديات وإطلاق العنان للإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي.
9.    التعليم والتوعية: يعد رفع مستوى الوعي العام بقدرات الذكاء الاصطناعي وقيوده أمرا بالغ الأهمية لبناء الثقة وتعزيز التنمية المسؤولة. 
10. تقنيات الكشف عن التحيز وتصحيحه: تطوير وتطبيق منهجيات للكشف عن التحيزات وتصحيحها في نماذج الذكاء الاصطناعي. يمكن أن تساعد عمليات التدقيق المنتظمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي في تحديد التحيزات غير المقصودة والتخفيف من حدتها.
11. تشجيع المشاركة العامة والحوار: ولا يمكن تحقيق أهداف الوصول إلى الاستخدام الأفضل لمخرجات الذكاء الاصطناعي، دون مشاركة مجموعات متكاملة من أصحاب المصلحة في المناقشات حول تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والسياسة الموازية لها. إذ يمكن أن يساعد ذلك في ضمان توافق أنظمة الذكاء الاصطناعي مع القيم والاحتياجات المجتمعية. ولا بد أن يرافق ذلك حملات التوعية العامة القادرة على إعلام الناس بفوائد ومخاطر الذكاء الاصطناعي، لتعزيز أوسع قطاع ممكن من جمهور أكثر استنارة ومشاركة.
ومن الطبيعي أن تكون هناك قائمة أخرى من تلك السياسات والإجراءات المرافقة لها. لكن من خلال اتباع نهج شامل واستباقي، من الممكن التغلب على التحديات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، وضمان مساهمة تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي في المجتمع، وتوزيع فوائدها بشكل عادل عبر جميع شرائح المجتمع. كل ذلك من أجل ضمان مساهمة الذكاء الاصطناعي في مستقبل إيجابي للجميع. 
ولا بد من التأكيد هنا، أن عاصفة  الذكاء الاصطناعي قد هبت رياحها، ومن الخطأ محاولة التصدي لها أو حتى محاولة تأجيلها. لذا فإن ركوب قطار رحلة  الذكاء الاصطناعي تفرض نفسها وهي مستمرة، وسيكون التعلم المستمر لقوانينها، والتكيف مع قوانيها، والاستجابة لمتطلباتها، أمرًا حتميًا لا يمكن تحاشيه. لكن الأمر  الحيوي هنا هو العمل من أجل التغلب على العقبات المستقبلية التي ستجلبها معها، لتقليص سلبياتها وتعظيم فوائدها.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية