بادرني بعربية شامية سليمة، يخبرني أنه أردني، حينما حانت مني التفاتة إليه، وهو يصعد معي إلى الطابق السابع بفندق شهرزاد بالقاهرة، لصاحبه رجل الأعمال المالك لصحيفة كنت أرأس تحريرها نهاية العقد الأول من القرن الجاري. قلت لمحدثي إنني أعرف أنه إسرائيلي الجنسية، ومن عرب 48، فهذا الفندق مشهور بأن معظم رواده من تلك الفئة، ومضيت: لا حرج عليك، وإليك رقم هاتفي لو أردت مساعدة في القاهرة.
لاحقًا، علمت أنه أصيب في إحدى زخات الصواريخ المنطلقة من غزة على مدينة يافا التي يسكنها، وتذكرت أنه كان محبًا لأشقائه في غزة، قال لي ذلك حينما هاتفني في اليوم التالي للقاء الفندق، وهو يخبرني أنه الآن في منطقة الهرم الأثرية، شاكيًا من أن موظفي التذاكر يعاملونه كالأجنبي، ما يضطره لدفع مبالغ أكبر من قدرته، فتواصلت مع صديق بإدارة المنطقة الأثرية، ليستثنيه باعتباره فلسطينيا عربيا. لا أدري ما مصير صديقي الفلسطيني/ الإسرائيلي اليوم في تلك الحرب العبثية الدائرة الآن، التي أجهضت مساع جمة لأن يتجاوز الناس في مملكة السماء الدماء والإرث الثقيل، بالسعي لحل شامل، أرضيته العدل، وسماؤه السلام، ووقوده المنافع والمصالح المشتركة.
حتى نهاية الأسبوع الماضي، كانت المنطقة كلها ترنو لآمال زاهية بازدهار اقتصادي مرتقب: عمال غزة يعبرون المعابر سعيا وراء الرزق في إسرائيل، والبضائع تتدفق إلى غزة لتلبي احتياجات المعوزين هناك، والعاملون في السياحة بمصر متفائلون بموسم مزدهر بانت بشائره مبكرا، واتجاه لممر تجاري طويل يبدأ من الهند وينتهي بأوروبا، مارًا بعدد من دول المنطقة، خصوصا شبه الجزيرة العربية. اليوم تبددت كل تلك الآمال إلى حين، وسط جحيم مشتعل بالأرجاء، لا يدري الفلسطيني هل تصيب ناره المنطلقة من عنده شقيقه في إحدى المناطق الإسرائيلية؟ ولا يدري الإسرائيلي هل تصيب قذائفه أسيرًا إسرائيليا محتجزًا في غزة.
الجميع خاسرون في تلك الحرب، ومطلوب أن يعلو صوت الحكمة لوقف خسائر يدفع ثمنها البسطاء، فهل يمكن أن يكون الحل في دولة واحدة لشعبين، كما جرى في جنوب إفريقيا، أم حل الدولتين، الذي أجهضته الحرب الأخيرة؟