نحتفلُ مع العالم باليوم الدولي للسلام في سبتمبر من كل عام، حيث نحتفلُ به تعزيزا لِـمُثُل السلام ومبادئه عسى أن تمرّ 24 ساعة دون دويّ المدافع وانفجارات القنابل وموت الأبرياء، وحاجتنا اليوم إلى وقف إطلاق النار في مناطق النّزاع المسلّح تشتدّ وتشتدّ أكثر من أيّ وقت مضى؛ فعالمنا بحاجة إلى السّلام. وإذا كان السّلام مطلبا كونيا للدول والمؤسسات الكبرى دور كبير فيه، فإنّ كلّ فرد قادر من جهته على العمل من أجل إحلال السّلام في هذا الكوكب.
ويأتي موضوع اليوم الدولي للسّلام هذا العام 2023 محفّزا على الإنجاز؛ فقد اختارت الأمم المتّحدة "الأعمال من أجل السّلام: طموحنا لتحقيق الأهداف العالمية" موضوعا لهذا العام، وفي ذلك دعوة صريحة إلى العمل، ووعي عميق بالارتباط الوثيق والشرطي بين السلام سببا والتنمية المستدامة نتيجة. وقد لا يكون من باب الصدفة هذا العام 2023 أن يتزامن الاحتفال باليوم الدولي للسلام مع الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لكل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، كما قد لا يكون من باب الصدفة أيضا أن تدرك فترة إنجاز أهداف التنمية المستدامة منتصف مرحلة تنفيذها هذا العام، وأن يقع اختيار يومي (18 - 19 سبتمبر) موعدا لعقد مؤتمر القمة المعني بأهداف التنمية المستدامة، فكل هذا مدبّر بعناية لِرَفْد الجهود وحشْد الهمم من أجل تحقيق هذا السلام؛ فدون سلام لا مجال لتكريس الالتزام بحقوق الإنسان، ودون سلام وعدل لن تتوقف الإبادة الجماعية، ودون سلام ستبقى أهداف التنمية المستدامة حبرا على ورق في معظم دول العالم.
إنّ تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة طموح إنساني مشروع، لكنّه أيضا مشروط؛ إذ لا يمكن أن يتحقق أي هدف منها دون أن يبسط السلام سلطانه وثقافته على الأرض وفي النفوس والسلوك، ودون أن تهدأ وتتوقّف لغة النار والقتل، ودون أن يعتدل المناخ ويستقرّ.. كما لا يكون إحلال السلام إلا بنشر ثقافته ذاتها ثقافة الحوار والتسامح، وذلك بالتشجيع على الأنماط السلوكية الحياتية والمواقف المختلفة التي تدفع الإنسان إلى احترام إخوانه من بني البشر، ورفض الإساءة إليهم والاعتداء عليهم، وممارسة العنف ضدّهم، وقبول الاختلاف بين الناس.
وهذه في الحقيقة مسؤولية جماعية وفردية؛ إذْ للمؤسسات الدور الأكبر بدءا من العائلة إلى المدرسة إلى الجمعيات الأهلية والأندية الرياضية والمجالس الثقافية، بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية والدولية ذات العلاقة، وكذلك الأفراد فَهُم صنّاع سلام؛ إذْ إن الفرد الواعي مسؤول عن تعزيز قيم السلام والتسامح وقبول الآخر والعيش المشترك في كنف الاحترام.
ومن أبسط الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الفرد التقليل من النفايات وإعادة التدوير وإعادة الاستخدام وتوفير الطاقة عن طريق إطفاء الأضواء والأجهزة.. قد تبدو هذه الأفعال بسيطة لكنّها ستساعد الأرض والمناخ على الاستقرار في سلام. ومن ذلك أيضا أن تشارك المعلومات التي ستساعد في جعل العالم مكانًا أكثر تفهمًا، أن تكون متسامحا مسالما مع نفسك وغيرك، أن تتحاور في غير عناد، وتناقش في غير جدال عقيم، وتعدّل مواقفك كلما اقتنعت بذلك... كل ذلك من شأنه أن يزيد فرص إحلال السلام بمعناه الواسع.
ولا غنى عن التذكير بدور الشباب في بناء السلام، خصوصا بما توفّروا عليه اليوم من قدرات تواصلية وإمكانات تكنولوجية رقمية؛ فنشر فيديو يعزّز قيم السلام أو كلمة أو أغنية أو صورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيصل إلى أرجاء المعمورة، وسيكون سببا في نزع فتيل حرب أو منع حدوث كارثة، أو تقليل حجم خطر داهم.
فلا تستصغرنّ من أدوات بناء السلام شيئا مهما رأيته بسيطا أو صغيرا؛ فلعلّ فيه خيرا كبيرا ونفعا وفيرا.
كاتب تونسي