العدد 5367
الأحد 25 يونيو 2023
banner
أهمية المناطق الاقتصادية الخاصة
الأحد 25 يونيو 2023

لسنوات عديدة من المشاورات الدولية حول الاقتصاد والتجارة، بقيت مؤيدًا شديدًا للعولمة وسياسات التجارة المفتوحة التي جلبت معها فوائد هائلة. كون العولمة ساهمت في الازدهار والتنمية على الصعيد الدولي، وبناء الجسور بين الدول، وعملت كميسر لمزيد من السلام والتفاهم بين القوى المتناحرة تاريخيًا. وقد سمح ذلك للاقتصادات بفتح حدودها التجارية لبعضها البعض مما شجع على روح أكبر من التعاون، وزيادة الإنتاجية، وتحفيز الابتكار والنمو.
ولكن ونتيجة للتحركات الاقتصادية المتقلبة في الآونة الأخيرة، ظهرت دعوات متلاحقة نحو الحمائية من قبل السياسيين الشعبويين بذريعة أن عملية صنع القرار المحلي وتقرير المصير الوطني تتعرض للتقويض وهناك فقدان للوظائف التي يتولاها الآن العمال الأجانب. هذه روايات يسهل على السياسيين الاستفادة منها عندما يحفزون المخاوف لدى العامة. لقد كانت العولمة وسيلة ناجحة للغاية للتقدم الاقتصادي ولا تزال تلعب دورًا حيويًا في جميع الاقتصادات بغض النظر عن أية قناعات أيديولوجية خلال ذلك.
أود أن أحث أولئك الذين يروجون للقومية الاقتصادية على النظر بعمق في اقتصاداتهم وتفحص العدد الذي لا يحصى من الفوائد التي جلبتها المناطق الاقتصادية الخاصة على وجه الخصوص لدولهم. يجب علينا أن ننضج بفكرنا وألا ننظر إلى العولمة أو القومية على أنها مفاهيم ثنائية، حيث أن المناطق الاقتصادية الخاصة منتشرة على نطاق واسع، وتعمل كقنوات للعولمة بغض النظر عن المكان الذي قد نعيش فيه وأينما قد تقع ولاءاتنا الأيديولوجية.
تعمل هذه المناطق الخاصة كملاذ للنشاط التجاري الدولي في مأمن من الجمارك واللوائح الوطنية، مع قوانين ضريبية خاصة ومراكز ابتكار مصممة لجذب المستثمرين إلى بيئة يتم فيها منحهم قواعد مواتية للعمل فيها، وقدرًا كبيرًا من الاستقلالية في عملياتهم التجارية. يشير تقرير الاستثمار العالمي لعام 2019 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أن هناك حوالي 5400 منطقة مماثلة في 147 دولة حول العالم، تقدم حوافز ضريبية، ورسوم وتعريفات جمركية مخفضة، ولوائح ملائمة للأعمال، وإعفاءات ضريبية، فضلاً عن تبسيط التصاريح والتراخيص، وتوفير البنية التحتية، ودعم الدولة للشركات الدولية لممارسة أعمالها التجارية.
ظهرت هذه المناطق لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي في الدول الغربية لجذب الاستثمار الأجنبي من المنظمات متعددة الجنسيات. ومنذ ذلك الحين، تم تأسيسها في كل دولة رئيسية في جميع أنحاء العالم بشكل أو بآخر، ويُنظر إليها على أنها معاقل للعولمة التي اجتذبت استثمارات بمليارات الدولارات وسمحت للتجارة الدولية بالازدهار. وما المشروع الحضري العملاق الجديد قيد الإنشاء في المملكة العربية السعودية "نيوم"، إلا التطور الجديد للمناطق الاقتصادية الخاصة، التي تستهدف الاستثمار الأجنبي فيما يوصف بأنه المشروع الأكثر طموحًا في العالم. وقد تم إنشاء مناطق مماثلة في أماكن أخرى مثل دبي، حيث تم وضع مجموعة من القوانين حسب الطلب مع وضع الأجانب في الاعتبار، مع وجود صياغة لوائح قانونية مترابطة، يمثل كل منها أنشطة مختلفة مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا والإعلام وغيرها.
هذه المناطق هي محاور عالية الكفاءة ونشطة للعولمة والتي تزداد قوة وجاذبية مع تقدم الوقت. ويتم تبنيها بحماس أكبر عبر إفريقيا والصين، وتنمو في العديد من الدول الأخرى مع تزايد المنافسة على جذب الاستثمار الأجنبي وريادة الأعمال. وستستمر المنافسة بين البلدان لتقديم حوافز أكبر في هذه المناطق لأن ذلك منطقي من الناحية الاقتصادية.
وبينما تكافح اقتصادات العالم في الوقت الحالي، من المقرر أن تلعب المناطق الاقتصادية الخاصة دورًا أكبر في جذب الاستثمار الأجنبي الذي تشتد الحاجة إليه خلال هذه الأوقات لتعزيز الرخاء الاقتصادي، من خلال دورها الحيوي الذي سينتهي إذا بدأنا في تبني الأفكار الحمائية والتخلي عن العولمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية