+A
A-

بعد تعهد G7.. ما الذي يعكسه تشديد العقوبات على روسيا؟

أبدى قادة مجموعة السبع تعهدهم بتعزيز العقوبات المفروضة على موسكو، بما يشمل وضع مزيد من القيود على الصادرات الروسية.

وكشف بيان صادر عن قادة المجموعة أخيراً عن أن تلك القيود من شأنها تغطية صادرات روسيا من الآلات الصناعية وكذلك الأدوات والتكنولوجيا التي تخدم الجهود الحربية الروسية، وذلك جنباً إلى جنب وجهود لخنق الإيرادات الروسية من تجارة المعادن والألماس.

يعكس ذلك التوجه إصرار الدول الكبرى على موقفها الداعم لأوكرانيا، ويأتي اتصالاً بحزم العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا.

ورغم أن تعهد قادة قمة مجموعة السبع في هيروشيما بتشديد العقوبات على روسيا يعد دليلاً على أن الغرب لا يزال بقوة وراء أوكرانيا في معركتها ضد روسيا، إلا أن ذلك أيضاً يمثل "علامة على الفشل الغربي"، وفق تعبير الكاتب البريطاني، لاري إليوت، في مقال له بصحيفة "الغارديان" البريطانية الأحد.

ويُبرر الكاتب ذلك بقوله:

"على الرغم من الحديث عن انتصار سريع، لم تكن هناك ضربة قاضية في الحرب الاقتصادية (..) ولا ينبغي أن يكون عدم النجاح الفوري بمثابة مفاجأة كبيرة".

لا شك أن روسيا تشعر بتأثير العقوبات، وكذلك الغرب.

أحد أسباب المبالغة في المزاعم بأن الاقتصاد الروسي على وشك الانهيار هو أن صانعي السياسة الغربيين يعرفون أن ناخبيهم يعانون من الآثار الجانبية (ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية وانخفاض مستويات المعيشة).

على الرغم من كل ذلك، فإن الدعم الشعبي لأوكرانيا في دول مجموعة السبع لا يزال قوياً.

وبينما يرى الكاتب أن الكرملين يبدي مقاومة اقتصادية أقوى مما توقعته مجموعة السبع، فإنه يشدد على أن "الأشهر الـ 15 الماضية كشفت عن الصعوبات في فرض حصار اقتصادي على بلد يتمتع بموارد طبيعية وتقنية مثل روسيا"، موضحاً أنه "تم تصميم الإجراءات الجديدة لتعطيل قدرة الكرملين على توفير المواد لجيشه وسد الثغرات وتقليل الاعتماد الدولي على الطاقة الروسية، وكذلك الحد من وصول موسكو إلى النظام المالي العالمي".

عقوبات متفاوتة

من جانبه، يقول الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

إذا نظرنا إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا حتى الآن فأخطرها "الحظر على النفط الروسي المنقول بحراً في الاتحاد الأوروبي، وكذلك استغناء الدول الأوربية واحدة تلو الأخرى عن الغاز الروسي، لأن هذا القطاع هو الأكثر حساسية بالنسبة لاقتصاد موسكو".

أما أي عقوبات أخرى فهي مزعجة على قطاعات بعينها لكنها غير مؤثرة على مستوى الاقتصاد الكلي الروسي، الذي أظهر درجة عالية من الصمود لم يتوقعها الغرب، مثلما لم تتوقع روسيا الصمود العسكري في أوكرانيا مما أدى إلى إطالة أمد النزاع.

كذلك فإن أي عقوبات أحادية الجانب غير فعالة، لأنه من أجل التأثير في أي دولة اقتصادياً لا بد من فرص عقوبات دولية عليها مثلما حدث مع كوريا الشمالية وإيران على سبيل المثال "وهذا مستحيل في الحالة الروسية، لأن روسيا والصين لن تسمحا بتمرير عقوبات عبر مجلس الأمن".

ويشير القليوبي إلى أن "هناك خيارا أمام الغرب بفرض عقوبات ثانوية على من يتعامل مع روسيا، كما هو الحال مع إيران، لكن الغرب لم يصل إلى هذه النقطة، ربما إدراكاً منه لخطورة شطب روسيا من خارطة العالم في مجالي الطاقة والغذاء بشكل خاص".

ويعتقد الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، بأن تلك القرارات الأخيرة المرتبطة بروسيا هي "دليل آخر على فشل العقوبات الغربية"، مردفاً "إذا نظرنا إلى العقوبات السابقة فهي لم تلجم دولاً مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا عن المضي قدماً في سياستها، فكيف تؤثر على دولة بحجم روسيا؟".

انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 2.1 بالمئة العام الماضي، مقارنة بنمو 5.6 بالمئة على أساس سنوي في 2021، بحسب ما أعلنته هيئة الإحصاء الاتحادية الروسية.

يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 0.7 بالمئة هذا العام للاقتصاد الروسي.

وبالعودة لمقال "الغارديان"، يشير الكاتب البريطاني إلى أن "هناك تقارير عن هجرة العقول من العمال المهرة ونقص في قطع الغيار، لكن ذلك لن يؤدي إلى الانهيار الفوري للاقتصاد الروسي، ولكن على المدى الطويل ستكون عوامل - إذا تُركت دون معالجة - من شأنها أن تبطئ الاقتصاد".

ومن المثير للاهتمام أن بعض الروس يعترفون بأن الحرب كان لها تأثير، ففي سبتمبر الماضي أصدر المعهد الوطني للتنبؤ الاقتصادي التابع لأكاديمية العلوم الروسية تقييماً اعترف فيه بأن صدمة العقوبات قد أثرت على كل جزء من الاقتصاد تقريباً.

وقال إن الصعوبات في الحصول على المواد الخام والمكونات كانت من بين أكثر المشاكل حدة.

وبحسب التقرير، فإنه "على الرغم من خطورة تلك المشاكل، تمكنت السلطات من وقف الارتفاع التضخمي في الاقتصاد بسرعة إلى حد ما، ومنع الذعر المصرفي، وضمان التشغيل السلس لنظام المدفوعات، وإعادة الروبل إلى المستويات السابقة".

أوروبا تعاقب نفسها!

من جانبه، يشير خبير الشؤون الأوروبية من بروكسل، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن:

هذه العقوبات كافة، سواء التي فرضها الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، وبمختلف الحزم "لم تؤدِّ إلى ردع روسيا عن الاستمرار بالحرب في أوكرانيا".

هذه العقوبات أدت - كما يعلم الجميع- إلى نتائج سلبية على اقتصاد الدول التي فرضت العقوبات نفسها.

الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال تضرر كثيراً من هذه العقوبات فيما يتعلق باستيراد مصادر الطاقة بأسعار مختلفة عما كان عليه الوضع قبل الحرب.

ويتابع بركات: "إن استمرار دول مجموعة السبع والدول الأخرى في التفكير بفرض عقوبات جديدة يدل على عدم تمكن هذه الدول من مواجهة روسيا (..) لا أريد أن أقول إن روسيا تنتصر في هذا المجال، ولكن استمرار وزيادة العقوبات وتصعيدها ورفع حجمها وكذلك زيادة عدد الأشخاص الذين تُفرض عليهم العقوبات، يعني أن الدول التي تفرض العقوبات لم تحقق النتائج المرجوة منها".

ويختتم حديثه قائلاً: "أعتقد بأن الرأي العام في أوروبا بدأ بشعر بعدم أهمية هذه العقوبات وعدم فعاليتها، وبأنه هو الذي يُعاقب من جراء فرض هذه العقوبات، حتى أن بعض رجال السياسة الأوربيين بدؤوا أيضاً ولو بشكل غير مباشر القول بأن هذه العقوبات لا تكفي".

ثلاثة افتراضات "مشكوك فيها"

 

ويوضح الكاتب البريطاني، لاري إليوت، في مقاله المذكور، أن ثمة ثلاثة افتراضات مشكوك فيها عززت اعتقاد الغرب بأن الحرب الاقتصادية ستنتهي بسرعة:

الأول

هو أن أموال روسيا سوف تنفد، وبالتالي لن تكون قادرة على تمويل عملها العسكري.

إلا أن حظر الطاقة وتجميد الاحتياطيات الروسية التي تحتفظ بها البنوك المركزية الغربية، قد أثبت ذلك أنها إجراءات أقل فعالية مما كان متصوراً.

وفي حين انخفض حجم صادرات النفط والغاز الروسية، فإن ارتفاع الأسعار يعني أن قيمة الصادرات لم تتأثر. كما عرضت روسيا توريد النفط والغاز بسعر مخفض ووجدت الكثير من المشترين الجاهزين، وعلى الأخص الصين والهند.

الثاني

هو أن المجتمع العالمي بأسره سوف يتحد في مواجهة موسكو.

يفند الكاتب ذلك الافتراض، بقوله: ثبت أن هذا نوع من التفاؤل خاطئ، ذلك أن عديداً من الدول في إفريقيا وآسيا رفضت إدانة روسيا في تصويت للأمم المتحدة في بداية الحرب وامتنعت بدلاً من ذلك عن التصويت.

وهذا الافتقار إلى الدعم العالمي لأوكرانيا جعل من الممكن لروسيا التحايل على العقوبات.

الثالث

هو أن روسيا عام 2023 لا تختلف عن الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات.

وعن هذا الافتراض "المشكوك فيه أيضاً"، يستعين الكاتب بورقة بحثية للخبير الاقتصادي الأميركي جيمس غالبريث، قال فيها إن "روسيا تتمتع بنظام تعليمي ممتاز، والكثير من المعرفة الفنية، ولديها المصانع التي بنتها الشركات الغربية متعددة الجنسيات منذ نهاية الحرب الباردة.

وتوفر العقوبات حافزاً للروس للاستعاضة عن الواردات الغربية بالمنتجات المزروعة محلياً.

وقال غالبريث: "على الرغم من أن بعض التقنيات لا تزال بحاجة إلى إتقان، إلا أن روسيا لا تفتقر إلى أي مكونات أساسية - الغذاء والوقود والمواد والموهبة العلمية والهندسية"..

الحرب تأخذ أشكالاً عدة

ومن سان بطرسبورغ، يشير رئيس المركز الثقافي الروسي العربي، الدكتور مسلم شعيتو، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن:

الحرب ضد روسيا تأخذ أشكالاً متعددة (عسكرياً وسياسياً واقتصادياً) بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.

"تُفرض عقوبات بزعامة واشنطن هدفها ممارسة الضغط والترهيب، بما في ذلك ترهيب الدول التي لا تنضم إلى العقوبات"، على حد قوله.

العقوبات تؤثر سلباً لكن ليس بنفس مستوى تأثر الدول الأوروبية سلباً.

الاقتصادات الأوروبية تضررت من العقوبات، في ظل ارتفاع كلفة المعيشة، بينما في روسيا الحياة تبدو طبيعية، والسلع يتم إنتاجها محلياً، وكل الخدمات.