الحوار بين الثقافات فعل استراتيجي ووثيقة تعاون وبوصلة للتعارف والاعتراف بالآخر، وجزء لا يتجزأ من حياة الشعوب، ولا يوجد منتصر ولا مهزوم في دائرة هذا الحوار، بقدر ما يمكن أن يُقدمه كل طرف للآخر في مختلف الحقول ومجالات الحياة، فالتعاون بين الأمم والشعوب فضيلة عالمية تؤكد أن شعوب العالم متحدة في المصير الإنساني المشترك.
ثقافة الحوار بين الأفراد والمؤسسات تعمل على تكوين آراء متنوعة تتفق على خدمة المجتمع وأفراده، وتحقق التعايش المشترك، وتضيف أجواء من التسامح مع الاحتفاظ بالهوية القومية والسيادة الوطنية للدول المتحاورة، وتؤدي إلى إثراء تجربة التعلم من الاختلافات، وتغتني الدول من تجارب الدول الأخرى وتستفيد، وتساهم الثقافة بنبذ التمييز والتعصب، كما أن الحوار بين الثقافات يعزز التماسك الاجتماعي ويساعد على خلق بيئة تحقق التنمية المستدامة، ويبني مجتمعات قائمة على النماء الثقافي والاقتصادي.
تعتبر ثقافة الحوار “وسيلة لتبادل المعارف والتجارب والسلع وأنماط المعيشة”، وكذلك تعتبر من ركائز التواصل الثقافي بين الشعوب والمجتمعات، ومن ضروريات التفاعل والتفاهم والقبول بالآخر والانفتاح على الآراء وتبادل الأفكار، وأصبحت اليوم مهمة لدى الشعوب والدول والحكومات والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية ومختلف المراكز البحثية الوطنية والقومية والدولية، وبما يحفظ الهوية الوطنية والقومية والعدالة في العلاقات الدولية.
تهدف ثقافة الحوار إلى تخليص العالم من الكراهية والفوضى، وتأسيس فضاء من التمدن والتحضر، وانتشال المجتمعات من مستنقع التقهقر وتحويلها إلى مجتمعات نابضة بالحياة، وبناء حياة عادلة بين الشعوب والدول تخلو من الشوائب، وجعلهم شعوبًا وأفرادًا يحترمون اختلافاتهم متجاوزين العنصرية والتمييز، وجعل ذلك نهج حياة مبنيا على القوانين والعلاقات الدولية النزيهة والمصالح العادلة بين البشر، ولتحقيق ذلك فالبشر يحتاجون إلى حِكمة كافية لمنع الصراعات العنيفة بينهم، والتعاضد البيني للقضاء على الفقر ووأد الأوبئة، وتمكين الجميع من التعليم وتوفير المياه النظيفة والغذاء والمأوى اللائق بالحياة، كما يحتاجون إلى نشر القيم والمواقف والسلوكيات المنتجة لحوار هادف وخلاق.
لذا، فالحوار بجانب أنه ثقافة فكذلك هو فن من الفنون المهمة وينبغي على كل إنسان إتقانه والتدرب عليه، وأن يتقن أساسيات وآداب الحوار مع الآخرين، ليستطيع بذلك التواصل مع الناس وإقامة حوارات ناجحة وفعالة.
*كاتب وتربوي بحريني