يعد إنفاذ العقود من التحديات المهمة للعديد من البلدان لأن له تداعيات كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فعدم تنفيذ أو تأخير إنفاذ العقود من خلال السلطات القضائية يمكن يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، ومن أهم تداعياته إبطاء عملية النمو الاقتصادي، والتأثير سلبًا على بيئة الأعمال والسوق واستقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة الناتجة عن قلة ثقة المستثمرين في النظام القانوني، الأمر الذي يسترعي اهتمام صناع القرار لتحسين أداء النظم القانونية والإجرائية مما يساعد على تحسين العديد من المؤشرات الدولية المتعلقة بريادة الأعمال واستقطاب الاستثمارات والعديد من المؤشرات الضرورية لتحقيق الاقتصاد التنافسي المستدام.
يقيس مؤشر إنفاذ العقود الوقت والتكلفة لحل أي نزاع تجاري من خلال اللجوء إلى المحاكم الابتدائية، ومؤشر جودة العمليات والإجراءات القضائية، ويقيس إذا كانت الدولة قد اعتمدت على مجموعة من الممارسات التي تعزّز الجودة والكفاءة في نظام المحاكم. لا تزال كفاءة المحاكم تختلف بشكل كبير بين البلدان. فيمكن أن يستغرق تنفيذ العقد من خلال المحاكم خلال 3 - 6 أشهر في سنغافورة والإمارات العربية المتحدة و10 أشهر في نيوزيلندا ورواندا، وما يقرب من أربع سنوات في بنغلاديش والهند.
وتتراوح تكلفة القيام بحل النزاع التجاري وإنفاذ العقود أقل من 10 % من قيمة المطالبة في آيسلندا ولوكسمبورغ والنرويج إلى أكثر من 80 % في اقتصادات مثل زيمبابوي. ومن هنا، ينبغي على صناع القرار البحث في كيفية تقليل مدة تنفيذ العقود في المحاكم التجارية وتقليل تكلفة القيام بذلك بهدف التعاون بين جميع أطراف المصلحة في تعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي يتجلى من خلال احترام حقوق الملكية للمواطنين والمستثمرين.
إن الإنفاذ الفعّال للعقود ضروري للتنمية الاقتصادية والنمو المستدام. لا يمكن تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي دون احترام سيادة القانون والحماية الفعالة للحقوق، وكلاهما يتطلب وجود سلطة قضائية تعمل بشكل جيد وتحل القضايا في وقت معقول ويمكن التنبؤ بها ويمكن للجميع الوصول إليها. ويمكن ملاحظة أن الاقتصادات المتقدمة الجاذبة لرؤوس الأموال الخارجية والاستثمارات والتي تتمتع بظروف مهيئة لبيئة الأعمال لديها سلطة قضائية أكثر كفاءة، ولدى هذه الاقتصادات أسواق أكثر تطورًا ومستوى أعلى من التنمية الاقتصادية. يمكن للتطور في كفاءة النظام القانوني أن تقدم العديد من الفوائد الاقتصادية الأخرى منها تعزيز مناخ الأعمال، وتعزيز الابتكار، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتأمين الإيرادات الضريبية، ونمو أسرع للشركات الصغيرة والمتوسطة، والأهم من ذلك، تحقيق العدل على المستوى الاجتماعي.
يقول العالم الاقتصادي لميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد إن الوظائف الأساسية الثلاث للحكومة هي الدفاع وتطبيق القانون وإنفاذ العقود. على عكس الاثنين السابقين، لم يتلق الأخير أهمية كافية في العديد من البلدان النامية. إذ لا توفر آلية إنفاذ العقود سبل الإنصاف للأطراف المتضررة، بل ويتزايد الخوف في بعض الأحيان من الرسوم القانونية ومصاريف المحكمة. وبالتالي، يمكن لآلية إنفاذ العقود الفعالة أن تقلل في الواقع من انتهاك القوانين والعقود، مما يقلل الحاجة إلى الاقتراب من هذه الآليات. لذلك يعد إنفاذ العقود من الضروريات المهمة للحفاظ على ثقة الأعمال وتقليل عدم اليقين وتعزيز الاستدامة والنمو الاقتصادي.
إن حلّ النزعات التجارية وإنفاذ العقود بشكل أسرع وتكلفة أقل لا يتطلب بالضرورة رسم إستراتيجيات حكومية بهذا الشأن، بل يتطلب بشكل أساسي إعطاء بعض القوة للجهات التنفيذية المختصة والسماح لها بإنفاذ القانون والعقود بين الأطراف القانونية بشكل أسرع وأسهل والحؤول دون تراكم القضايا وتأخيرها في المحاكم الابتدائية. فكلما زادت وتيرة إنفاذ العقود بشكل أسرع بين الأطراف المتنازعة، يزيد النمو الاقتصادي ويزيد ثقة المستثمرين في السوق بشكل أكبر مما يحسن من المؤشرات الرئيسية المتعلقة برفع التنافسية والأداء الحكومي وريادة الأعمال وغيرها من المؤشرات المهمة.