إذا كان الأدب ينسج خيوطه من واقع الإنسان، فإن المسرح يمكنه الذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير، وأقف في صف جماعة المسرح التجريبي الذين يحاولون بأعمالهم خلق منهج تعليمي يركز على العرض الفني وانسجام الحركة ولغة الجسد وخروجهم عن المسرح التقليدي.
عندما بدأ كتاب مدرسة اللامعقول يكتبون مسرحياتهم، كانت في أذهانهم مفاهيم معينة وأهداف يرمون إلى تحقيقها من وراء هذا الشكل الجديد الذي اختاروه قالبا يصبون فيه أفكارهم، هم إذا لم يختاروا هذا الشكل لمجرد التجديد في حد ذاته أو بعد ملل أصابهم من الشكل التقليدي، بل اختاروه لأنهم رأوا فيه خير وسيلة يعبرون من خلالها عن مجتمع ما بعد الحرب، مجتمع القلق والحيرة والعذاب، مجتمع الخوف والنفور والانطواء.
لقد وجد هؤلاء الكتاب أن المسرح التقليدي ليس هو الشكل الأمثل للتعبير عن مثل هذه الأفكار الجديدة، أو كما قال يوجين يونيسكو في إحدى المرات.. إنه لم يعد كافيا أن نعرض على المتفرج مشكلة تتدرج من البداية والوسط والنهاية كما هو الحال في المسرح التقليدي، فليس هو مسرح هذا العصر، فهذا العصر بتعقيداته التي لا تنتهي يحتاج إلى شكل جديد.. لا نعرض فيه قطعة عن الحياة يجلس المشاهد ليشاهدها وهو يعرف حلها، بل أصبح واجبا أن يلقي الضوء على جوانب الإنسان الغامضة، أن يبرز له المشكلات التي يعاني منها كل يوم دون أن يجد لها تعليلا معقولا.
إن عرض المشكلة وتذليلها بالحل ليس هو مسرح هذا العصر وهو في رأي يونيسكو أبعد الأشكال المسرحية عن الجمهور، ومن أجل هذا اختار كتاب اللامعقول هذا الشكل لأنهم رأوا فيه مادة جيدة التوصيل لأفكارهم، ومن أجل هذا أيضا يعتبر هذا المسرح مسرحا أصيلا لأنه نابع من أحاسيس تعيش واقعها وتتفاعل معه.
* كاتب بحريني