العدد 5065
السبت 27 أغسطس 2022
banner
فزعة تحتاج تطوير
السبت 27 أغسطس 2022

نحن شعوب تقودنا العاطفة أكثر من العقل، يسيطر علينا الهوى أكثر من الحكمة، سريعو الغضب والحماسة والملل في ذات الوقت، نميل للحلول السريعة لكل التحديات والمشاكل التي تواجهنا على المستوى الشخصي أو المجتمع بدلاً من التأني والتفكير وتبني خطط طويلة الأمد.
نتذكر حالة المرحوم الطفل ريان وكيف وقفت الحياة في كل بيت عربي، رافعين الأيادي بالدعاء أمام الشاشات يترقبون آخر الأخبار، وعلى المستوى المحلي كلنا شهد مئات الحالات المحتاجة التي يتكاتف الجميع في دفع مديونياتهم خلال ساعات في كل رمضان، وكيف يبادر كل مقتدر في دعم العاطلين عن العمل في حال انتشرت أخبارهم في مواقع التواصل الإجتماعي.
على قدر عظمة هذه الأعمال الجليلة، لكن هناك ما يجب التوقف عنده، وهو السبب في انتظار كارثة أو مصيبة حتى يتكاتف الجميع ويسارع في تقديم المبادرات والحلول، على مستوى اقتصادي كم من المشاريع البحرينية أغلقت بسبب الجائحة ولم يعرف عنها أحد، في مقابل القليل من المشاريع التي لجأ أصحابها لمواقع التواصل والتحدث عن معاناتهم والمشاكل التي يواجهونها، وبالفعل قام المجتمع بالتكاتف والوقوف معهم ودعم مشاريعهم حتى استطاعوا العبور من أزمة أوقعت الكثير من زملائهم أصحاب المشاريع الأخرى.
تحدثت عن هذا الموضوع في حسابي في “الإنستقرام” وجاءت الردود معظمها في إطار سببين رئيسيين، السبب الأول بأننا كمجتمع عربي بشكل عام وبحريني بشكل خاص، مجتمع عاطفي يميل لردات الفعل بدل المبادرات، والاستشهاد على هذه الفكرة من خلال استحضار ردات الفعل على الكثير من القرارات التي أثرت على الشارع التجاري، ومنها على سبيل المثال قرار رفع رسوم السجلات التجارية، فالقرار تم الإعلان عنه قبل أكثر من سنة على تطبيقه، لكن ردة الفعل من التجار كانت قبل أيام قليلة من تنفيذ القرار، وكان من باب أولى على التجار دراسة أثر القرار ووضع الحلول البديلة والاجتماع مع الوزارة خلال فترة سنة وهي فترة كافية للخروج بحلول قد تكون أفضل من الحلول الموجودة اليوم.
أما السبب الثاني وهو الشعور بأن عدم وجود مشكلة أو مصيبة يعني النجاح والناجح لا يحتاج إلى “الفزعة” أو المساندة، وهذا الشعور خاطئ وخطير على الأجيال القادمة، كيف يمكن إقناع الجيل القادم في الانخراط في ريادة الأعمال والعمل الحر من دون أن يشهدوا مساندة شعبية لمن سبقهم بحجة أنهم ناجحون وليسوا بحاجة للدعم، بهذه الطريقة نوصل رسالة للجيل القادم مفادها أنك لن تستحق أي دعم إلا في حال وقوعك في مصيبة وكارثة تستحق الالتفاف لها، ودعمك ليس لنجاحك بل لسقوطك أو عدم قدرتك على العمل والمحاولة، كيف يمكن لهذا الجيل أن يجتهد ويبتكر ويطور؟
إلى المجتمع
من الجميل دعم المحتاج، والأجمل المبادرة في دعمه قبل أن يحتاج، لندعم الناجح ليكبر في نجاحه، ونشجع غيره بأن يعمل ويجتهد، لنعمم ثقافة الدعم للمجتهدين والمبادرين حتى نخرّج جيلاً يعشق التحدي والعمل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية