العدد 4997
الإثنين 20 يونيو 2022
banner
الإنسان لوطنه قبل أن يكون لنفسه
الإثنين 20 يونيو 2022

جميعنا سنصل إلى مرحلة الكهولة والشيخوخة، بعد أن نتعلم من لوحات ورسوم وجداول الحياة، ولعل أجمل ما قرأت عن هذه المرحلة من العمر: الكهولة بذاتها لا تقدم ولا تؤخر في الآراء، إنما تتغير الآراء أو تتطور تبعا لمقدار التجارب والامتحانات التي يجتازها الإنسان في حياته، وكم من شاب صار كهلا فشيخا وآراؤه في الحياة هي هي، لم يطرأ عليها أي تغيير، ومثل هذا المخلوق كالطائر يعبر الجو دون أن يترك فيه أثرا.
إذا فالعبرة ليست بعدد السنين، إنما بمقدار ما يتلقاه الإنسان من دروس الحياة، وما أكثر هذه الدروس أحيانا، وما أصعبها أحيانا أخرى، وتطور الآراء ضرورة لابد منها عند الرجل المثقف الذي تفتح ذهنه والذي أصبح رأسه بحكم ثقافته محطة استقبال لكل جديد معقول وموضوع تجارب عملية يستطيع بها أن يجدد روحه وقلبه وعقله، وإذا ما سمعت عن رجل بأنه متمسك برأيه وأنه لم يحد عن رأي رآه في حياته، فاعلم أنه ضيق الأفق محدود المدارك، لا ينتفع بما حوله من أحداث.
ومن الغريب أن أكثر الناس يتباهون بذلك غير عالمين أن الحيوان المعروف بعدم تغيير الرأي والعناد، هو على حد قول أحد رجال السياسة “البغل” عندما عيره أحد الناس بأنه غير رأيه في مسألة ما، على أن هذا لا يعني تغيير المبادئ ولا العقائد، بل يصح أن يدخل على العقيدة تطور يؤدي في الأكثر إلى اتساعها وعمقها.
رائد الأعمال المصري أحمد عبود باشا كان له رأي في الكهولة حيث أوضح أنه كان يظن في شبابه أن العيش السهل الطريق إلى السعادة، وأنه يكفي أن يعمل الإنسان ليعيش، فغيرت الكهولة ظنه، وعلمته أن الإنسان لوطنه قبل أن يكون لنفسه، وأن الوطن هو الذي يعيش، وأن لذة الحياة في العمل المنتج المثمر، وكان في صدر شبابه حريصا على إسعاد نفسه قبل إسعاد غيره، فغيرت الكهولة رأيه هذا، وجعلته أشد حرصا على إسعاد الناس من إسعاد نفسه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية