العدد 4994
الجمعة 17 يونيو 2022
banner
ثرثرة نسوة عجائز قادت امرأة إلى الإعدام
الجمعة 17 يونيو 2022

من أغرب القضايا الجنائية في تاريخ أي شعب، قضية ماري دافييو بينار، وهي امرأة فرنسية في أواسط العمر، وهي ابنة فلاح وأرملة في بلدة لودون، وقبض على ماري بينار في عام 1949 بتهمة دس السم لأحد عشر شخصا من بينهم زوجها وأمها، وكانت التهم قائمة على مجرد شائعات روجتها بعض سيدات البلدة ممن لا يستطعن الحياة بغير الثرثرة والحديث عن الناس، ومثل هذا الأساس للاتهام مما لا يسمح به القانون في الولايات المتحدة أو بريطانيا، حيث ينبغي وجود أدلة ثابتة في حالة الاتهام بارتكاب جرائم القتل، واستخرجت الجثث وشرحت، ثم أكد الخبراء وجود آثار مادة الزرنيخ في جميع الجثث.
وفي المحاكمة الأولى التي جرت عام 1952 انهارت دعوى الاتهام تماما وتأجلت القضية حيث تقرر انتداب خبراء آخرين، لكن التقرير الذي دفعوه لم يكن أكثر إقناعا من سابقه، فأعيد تأجيل القضية في عام 1954، وتكرر هذا التأجيل إلى أن صدر الحكم أخيرا ببراءة المتهمة في الأيام الأخيرة من عام 1961. وهكذا عاشت ماری بینار پهددها شبح المقصلة، لمدة 12 عاما ونصف، وذلك بسبب جرائم لم ترتكبها أبدا، لقد كانت ضحية ثرثرة نفر من العجائز النسوة، وضعف الخبرة الفنية، ونصوص القانون الفرنسي التي تفترض دائما أن المتهم مذنب إلى أن تثبت براءته بخلاف القاعدة المعروفة وهي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
وفي هذه الذكريات التي كتبتها ماري بينار بعد صدور حكم ببراءتها سجلت تاريخ تلك القصة، ورسمت بوضوح الشخصيات الرئيسية في القصة من مدام بينو الشريرة التي كانت مصدر الوشاية التي جلبت كل ذلك العذاب، إلى المحامي اللامع جوترا الذي تولى الدفاع عنها، ثم رسمت لنفسها صورة مليئة بالحياة، ما رفع الكاتبة آنذاك إلى مرتبة كبار رجال القصة العالميين. 
إن محاكمة ماري بينا تعتبر إلى جانب الطابع الإنساني الذي يميزها وكونها صورة لشخصيات كثيرا ما تعيش بيننا، نقدا مريرا لأساليب القضاء الفرنسي ودعوة غير مباشرة إلى تطويره.
عموما كتب عن هذه القصة في مجلة “الهلال”، لكن لا أتصور أنها ترجمت إلى العربية بعد، وأعني بكلامي أن هناك قصصا عجيبة مخفية تحتاج إلى من يعثر عليها وينقلها للعربية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية