+A
A-

علي عباسي: المخرجون الموجودون في إيران لا يظهرون الواقع

مهما تضيّق السلطات الإيرانية على حرية النشر والتعبير، وتمنع كل المحاولات لنقل صورة واقعية عن المجتمع والظواهر التي تنخره، تجد السينما منفذا ضيّقا لتكون صوت نماذج الكثير من الإيرانيين، كل حسب مشكلته، لكنها في الأخير مشاكل تأتي من قلب إيران “الحقيقية” وتسلط الضوء على الوجه الخفي للجمهورية الإسلامية.
ومن هؤلاء المخرج الدنماركي من أصل إيراني علي عباسي الذي يقدّم في فيلمه “العنكبوت المقدس” المشارك في مهرجان كان السينمائي في دورته الخامسة والسبعين صورة مختلفة عن الجمهورية الإسلامية، إذ يتناول قصة حقيقية عن قاتل سفّاح تستهدف سلسلة جرائمه بائعات الهوى في مدينة مشهد، وتحظى عملية “التنظيف” التي ينفذها باسم الدين بتأييد السكان.
وقال عباسي إن “العنكبوت المقدس” الذي عُرض ضمن المهرجان الأحد ويشبه بأجوائه الأسلوب التشويقي للمخرج الأميركي ديفيد فينشر، “من الأفلام الإيرانية النادرة التي تبيّن الواقع الحقيقي”.
واستلهم المخرج في فيلمه قصة سلسلة جرائم حصلت قبل عشرين عاماً في مشهد، إحدى أبرز المدن المقدّسة لدى الشيعة، ويروي قصة مرتكبها الذي برر قتله 16 بائعة هوى بأنه أراد تطهير شوارع هذه المدينة من الرذيلة .
في الفيلم، يجوب القاتل الملقّب بـ”العنكبوت” على دراجته النارية شوارع مشهد التي تبدو أشبه بـ”مدينة الخطيئة” في فيلم “سِن سيتي” الشهير، إذ تنشط فيها الدعارة وتنتشر المخدرات نظراً إلى أنها تقع على طرق التهريب الرئيسية من أفغانستان. وغالباً ما يكون مصير بائعات الهوى اللواتي يركبن معه الموت خنقاً في شقته.
وبعد أن يرمي جثثهن على قارعة الطريق، يتصل السفّاح هاتفياً بصحافي هو نفسه في كل مرة ليعلن مسؤوليته عن جريمته. ولا تبدو الشرطة مستعجلة لتوقيفه، إلى أن تقرر صحافية شابة من طهران تعقّب “العنكبوت” بنفسها وجعله يدفع ثمن جرائمه.
وقال عباسي “لا أشعر بأنه فيلم مناهض للحكومة أو فيلم لناشط، فالصورة التي ينقلها ليست بعيدة من الحقيقة”. وأضاف “إذا كانت لدى أي شخص مشكلة مع الفيلم الذي يُظهر بشكل صريح واقع الجنس والمخدرات وكراهية المجتمع للمرأة، تكون مشكلته مع الواقع، لا معي”.
وبطبيعة الحال، لم يتمكن مخرج فيلم “بوردر” (“الحدود”) الذي برز من خلاله في مهرجان كان عام 2018، من تصوير عمله الجديد في المدينة المقدسة، ولا حتى في إيران، إذ لم يتلق أي رد على طلباته للحصول على إذن التصوير، بحسب ما أوضح.
وروى عباسي أن طاقم الفيلم الذي اختار التصوير في تركيا، أُبعِد منها لاحقا نزولاً عند ضغوط السلطات الإيرانية، فانتقل إلى الأردن حيث أعاد تكوين الديكورات.
وقال المخرج الشاب الذي ينافس مع مخرج إيراني آخر هو سعيد روستايي على السعفة الذهبية، فيما تضمّ لجنة التحكيم مواطنهما المخرج الحائز جوائز عدة أصغر فرهادي “من السهل جداً في رأيي القول إن المخرجين الموجودين في إيران لا يظهرون الواقع”، رافضاً “الحكم عليهم لأن كل فيلم يُصنع في إيران هو معجزة”.
ويؤدي الممثل الإيراني مهدي بجستاني دور القاتل في “العنكبوت المقدس”، وهو شخصية ذات وجهين، إذ أنه رب عائلة متدين وهادئ نهاراً، في حين أنه مضطرب نفسياً ليلاً. واستعان المخرج في فيلمه بالممثلة التلفزيونية زار أمير إبراهيمي التي غادرت إيران ولجأت إلى فرنسا بعدما أفسد فيديو “فاضح” لها حياتها المهنية.
ولا ينتهي الفيلم بتوقيف السفّاح، بل يبرز أيضاً القسم الثاني منه المتعلق بمحاكمته التي يُبرر خلالها أفعاله بدوافع دينية. ويتناول الفيلم موقف القضاة المُحرَجين نظراً إلى تأييد كثر لجرائم “العنكبوت” واعتبارهم إياها “تضحية”، وصولاً إلى حكم الإعدام.
وشبّه المخرج “النظام القضائي في إيران” بأنه “مسرحية سخيفة”، وبـ”برنامج تلفزيوني يستطيع فيه كتاب السيناريو الحصول على النتيجة التي يريدونها للشخصيات”.