قال تعالى في كتابه الكريم “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، وكانت حكمته في خلقنا بأشكال متنوعة وألوان مختلفة وبأماكن متفرقة من أجل أن نتقارب من بعضنا ونتعايش معا، ولنكون متعاضدين مع ما لدينا من موارد مالية واقتصادية لتحقيق الاستفادة الجماعية منها، وليتنعم الجميع بخير الله، وأن نعيش معًا إخوة متحابين لا متباغضين، أشقاء لا أعداء، إن اختلاف أشكالنا وألواننا ولغاتنا سبب لجمعنا لنعيش معًا بقلوب صافية ونقية، فعلينا أن نتقبل هذا الاختلاف الكوني للإنسان، وأن تكون لدينا القدرة على تقبل آراء وأفكار وتوجهات الآخر الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، فلا خصومات ولا منازعات، ولا اعتداءات ولا حروب، ولا فقر ولا جوع ولا أوبئة، بل تنمية مُستدامة وفاعلة لجميع الأمم وشعوبها.
لقد خلق الله الإنسان من أجل “تعمير الأرض ونمائها”، لا من أجل خرابها وتدميرها، فالحرب تُدمر الأرض وتقتل الإنسان، والنماء يُعمر الأرض لرخاء الإنسان، فالموارد الطبيعية التي أوجدها الله لنا جميعًا لا ليستأثر بها أحد دون الآخر، فوجودها في بلدان متفرقة لا يعني الاستئثار بها بل لتحقيق مبدأ العدالة بالاستفادة منها من خلال التعاون الإنساني، ولبناء السلام لا مصانع الأسلحة ومختبرات الأوبئة.
يتطلب العيش معًا بسلام القضاء على جميع أشكال التمييز والتعصب في الدين، ونبذ العُنف والكراهية والقضاء على الفقر والجوع ومكافحة الأوبئة على الأرض، ويتطلب كذلك غرس ثقافة التعايش بيننا وتكريس مناهجنا التربوية والتعليمية لبناء مجتمع متسامح جامع للبشر، وزيادة تعزيز المصالحة بين الدول والمساعدة في ضمان السلام والتنمية المستدامة، ولأجل ذلك أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في (2017م) يومًا دوليًا للعيش في سلام، ويأتي في شهر مايو من كل عام، وذلك من أجل القضاء على الصعوبات والتحديات لتحقيق هدف إنساني نبيل تجتمع عليه مصالحنا البشرية.
إن ترسيخ قيم التعايش يتطلب أن تعمل الدول على تعزيز جهودها معًا في مختلف المجالات من عِلمية وإنسانية واجتماعية واقتصادية ودينية لتجسيد التلاحم الإنساني في ظل من التعاون والتسامح وتقبل الآخر واحترامه، ورفض الحروب وتداعياتها واستبعاد النزاع المسلح بين الدول وبناء عالم خالٍ من العداء والألم والخوف والأوبئة.