العدد 4688
الأحد 15 أغسطس 2021
banner
“الأهرام” و145 سنة من الصمود
الأحد 15 أغسطس 2021

في مثل هذا الشهر قبل 145 سنة صدرت جريدة “الأهرام” المصرية لتصبح اليوم أعرق وأقدم صحيفة عربية مستمرة في الصدور من وقتها إلى الآن، ولتكون الأولى أيضًا في الصحافة العربية في نشر صفحات الرأي، ولتبقى صرحًا شامخا من صروح الثقافة والإعلام في العالم العربي.

وفي البحرين روى لنا الآباء أنه منذ بزوغ القرن الماضي كان المتعلمون والمثقفون منهم ينتظرون بكل شغف وصول جريدة “الأهرام”، التي كانت تصلهم بعد أيام من صدورها بسبب بطء المواصلات في ذلك الوقت، وفي البداية كانت تصل نسخة واحدة منها فقط، فكانوا يتسابقون لاستعارتها وتداولها فيما بينهم.

وبالإضافة إلى تمكينهم من الاطلاع على مختلف الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقد جلبت لهم “الأهرام” بين صفحاتها في تلك الحقبة مقالات وكتابات أبرز الأدباء والشعراء والمفكرين العرب وصناع الثقافة العربية، منهم الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبدالله النديم وأحمد لطفي السيد ومحمود سامي البارودي وأحمد شوقي الذي أسبغت عليه “الأهرام” لقب “أمير الشعراء”، وخليل مطران ومصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين وعباس العقاد وحافظ إبراهيم والزعيم مصطفى كامل وغيرهم من فطاحل الفكر والثقافة ورموز التيارات الفكرية السياسية والأدبية المتنوعة.

وقد ورث جيلنا، في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، هذا الحرص والشغف على قراءة “الأهرام” التي ساهمت في تعزيز حبنا وتقديرنا وتعلقنا بمصر العزيزة، والتي حملت بين صفحاتها تاريخ مصر وجزءا غير صغير من تاريخ الأمة العربية. وعندما بدأت الصحف الخليجية في الصدور واستعان معظمها بأقلام من مدرسة “الأهرام”، ظل جيلنا متمسكا بحرصه على قراءة “الأهرام” التي كنا نشم بين سطورها عبق تاريخ زاخر بالعطاء، يذكرنا بالأعلام والأقلام الشامخة التي ساهمت في إرساء أسس راسخة لهذه الأداة الإعلامية العريقة، ابتداء من الأخوين المؤسسين بشارة وسليم تقلا، اللذين كانا يمتلكان ثقافة فرنسية وعربية غزيرة، ما جعلهما يختطان للأهرام منذ نعومة أظفارها أسلوبا ونهجاً جديدين في الكتابة الصحفية، مرورًا بعدد ليس قليل من عمالقة الأدب والثقافة الذين ساهموا في بناء سمعتها ومكانتها.

وقد اشتد تعلق البحرينيين، كما باقي الشعوب العربية، بـ “الأهرام” بعد قيام ثورة 23 يوليو، خصوصًا بعد أن تولى محمد حسنين هيكل رئاسة تحريرها في العام 1956.

فبدوره دشن هيكل مرحلة جديدة من البناء والتطور تأسيسًا على ما تم تحقيقه من إنجازات، وأنشأ مركز “الأهرام” للدراسات السياسية والاستراتيجية، واستقطبت الجريدة وقتها قامات من الأدباء والمفكرين مثل الدكتور لويس عوض وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والدكتورة بنت الشاطئ ويوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوي وغيرهم، وأصبحنا نتابع أعمال وروايات نجيب محفوظ ومسرحيات توفيق الحكيم على صفحات الجريدة، وكنا ننتظر عدد يوم الجمعة لنقرأ كل حرف في مقال محمد حسنين هيكل المعنون “بصراحة”؛ لأننا كنا نؤمن بأنه يعبر عن أفكار وآراء الزعيم جمال عبدالناصر.

لقد كنا ومازلنا وسنظل نحب مصر وشعبها حتى النخاع، وكنا نحب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حب حتى الجنون، وكنا نصفق ونرقص لكل ما يقوله ويفعله، ولذلك وعندما قرر تأميم الصحافة في مصر في العام 1960 وانتقلت ملكية الصحف من الأفراد والمؤسسات الخاصة إلى الدولة التي تقوم بتعيين رؤساء تحريرها ورؤساء مجالس إداراتها وتعزلهم وقتما تشاء، هللنا وكبرنا وصفقنا ورقصنا فرحًا، وفي الواقع، فإننا لم نكن في هذه الحالة أكثر حماسة للتأميم من بعض كبار الكتاب والمفكرين المصريين، ومن بينهم أصحاب مؤسسات صحافية تم تأميمها أمثال مصطفى وعلي أمين وإحسان عبدالقدوس الذين رحبوا بتلك الخطوة وأيدوها وأكد بعضهم حق الدولة في إرشاد وتوجيه الرأى العام.

وعلى الرغم من التأميم، فقد ظلت “الأهرام” في نظرنا وقرارة أنفسنا محافظة على رصانتها ووقارها والتزامها بعدم التفريط في ما تتطلبه المعايير المهنية وقيم الأمانة والدقة والمصداقية.

وفي المراحل الأولى من صدورها تمكنت “الأهرام” من التغلب على التحديات والصعوبات المالية والفنية التي واجهتها، ونجحت بعد الحرب العالمية الأولى لتكون الأولى والوحيدة في العالم العربي التي استطاعت أن تشكل شبكة من المراسلين لها في مختلف مدن العالم، ثم أصبحت “الأهرام” قبيل إطلالة القرن الواحد والعشرين من أوائل الصحف العربية التي استشعرت الحاجة إلى مواكبة التطورات التقنية والمهنية التي أحدثتها ثورة المعلومات وشهدها عالم الصحافة والإعلام، فصمدت أمام تحديات ومنافسة وسائل الإعلام الحديثة بقنواتها ووسائلها ومنصاتها الرقمية، فتحية للأهرام في عيدها الـ 145.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية