العدد 4443
الأحد 13 ديسمبر 2020
banner
التعليم العالي 1 من 4
الأحد 13 ديسمبر 2020

لم تكن محاسن الصدف تكفي لكي أفتح هذا الملف الكبير في مجرد عجالة من أمري، حيث التحديات أكبر، والآمال أبعد، والمردود أوفر.


التعليم العالي قضيتنا، محور إرادة تفكيرنا، وعتادنا وعدتنا، من هنا كان يجب أن نبصر الطريق الأوسع انتشارًا ليس بين شرايين الحركة التعليمية فحسب، إنما من بين صنوف خططنا التنموية أيضًا، فالتعليم العالي ليس ترفا، وليس محض رفاهية نحن نستخدمها “لمكيجة” مجتمعاتنا، أو تجميل صورتنا، أو استكمال بقية الرتوش في مسودات حياتنا.


التعليم العالي، أو الجامعات تحديدًا هي من جعلت الرئيس الأمريكي السابق أوباما يقول أنا لا أخشى على “أمريكا” طالما بها أعظم جامعات الدنيا، ومن قبله قالها الجنرال ديجول عندما رفض رئاسة فرنسا رغم فوزه بالانتخابات ولكن من دون اكتساح: أنا لا أخشى على بلادي طالما أن بها تعليم مستنير وقضاء عادل.


من هنا، فإن التعليم المستنير الذي تتوجه جامعات قادرة وقديرة، تحتاج ونحن مقبلون على مرحلة تنموية جديدة، صنوانها مشاريع إصلاحية تأسست على فضيلة المشروع الإصلاحي الكبير لحضرة صاحب الجلالة الملك حفظه الله ورعاه، وكان التعليم العالي قلب ميثاقها الوطني، وفي طليعة مواده التي أجمع عليها الشعب بنسبة تأييد بلغت 98,4 %، كل ذلك يدفعنا إلى فتح الملف مرة أخرى، إلى تقديم المشروع منذ مربع “إصلاح التعليم” مثلما جاء به ولي العهد رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد حفظه الله ورعاه، في منتصف العقد الأول من الألفية عندما أطلق الرؤية، وعندما كنت سعيد الحظ؛ لأنني شاركت في الاجتماعات الماراثونية التي جمعت لفيفًا من النخب وكبار المسئولين والخبراء والشخصيات العامة لمناقشة الطرح المبدئي لتعليم مستنير يضع مملكتنا الفتية في مركزها الطبيعي الطليعي بين شقيقاتها بالمنطقة، لتكون بمثابة منارة الإشعاع الحضاري والفكري والتنموي، ومعولًا لعلاج مشكلات المجتمعات المتحضرة من خلال العلم، والتعليم، والبحث العلمي، والتطبيقات التكنولوجية الفارقة.


ونحمد الله ونشكر فضله أن تجربة البحرين في التعاطي مع أعظم جائحة على وجه الأرض وهي جائحة كورونا، تجعلنا أكثر قوة وإرادة في الخوض مجددًا، بل وفي التمسك بمرجعيات مشروع إصلاح التعليم، وجعل جامعاتنا الأهلية شأنها في ذلك شأن جامعاتنا الحكومية معول تنوير ومشاركة في الدفع بمعدلات التنمية، والخوض في معترك الاستدامة من خلال رؤية 2030 مستمدين أدبيات تعاطينا، وتوافقات مرامينا، من كل ما جاء في مشروعين طليعيين، أحدهما نهضوي متكامل، والآخر إصلاحي مختص بشئون وشجون التعليم، بل والتعليم العالي خصيصًا.


على هذه القاعدة من منصات التعامل مع الجامعات على أنها مركز إشعاع حضاري، فإنه لا يسعنا إلا أن نطرح العديد من التصورات التي تصب في نهاية المطاف باتجاه تحقيق الاستقلالية المرتبطة بمراقبة الدولة، وتلك المحمولة على قناعات بترسيخ حرية البحث والأداء، واكتساب الحركة المفعمة بالتتبع الحديث من الأجهزة المختصة في الدولة، رقابة قائمة على الجودة وحرية تنطلق من الانضباط بسلوك الأمة وأهدافها التنموية، توزيع عادل للطلبة على الجميع، جميع الجامعات خاصة وحكومية فجميعها جامعات وطنية، وجميعها قائمة على مبدأ تربية الأجيال، وتعميق الوعي والإدراك بألا نكون صفرًا في معادلة الإضافة النوعية لعالم متغير باستمرار، ولكون على أعلى درجة من الاستعداد لمواجهة المجهول وأي مجهول.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية