العدد 4420
الجمعة 20 نوفمبر 2020
banner
د. جاسم حاجي
د. جاسم حاجي
صدى من مسجد الخميس وصوت خليفي من أرض البحرين
الجمعة 20 نوفمبر 2020

بعد 1300 سنة من وفاة الخليفة عمر بن عبدالعزيز، أحد القادة الأكثر استراتيجية في العالم العربي والإسلامي مع بعض التراجع في إنهاء بعض الأعمال، اتخذ القائد العظيم موطئ قدم له على هذه الأرض الطيبة حيث بنى مسجد الخميس الشهير، وكان متيقنا بأن أرض دلمون ستتذكره على مر السنين وأن حلمه في بناء دولة العدالة والقانون سيتحقق من خلال أحد أبناء هذا الوطن، وقد تحقق ذلك من خلال إنجازات المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، مع التشابه الذي سيدخل التاريخ وتكرار الصدى من أرض مسجد الخميس وصوت من أرض البحرين.

كانت الفترة القصيرة التي حكم فيها الخليفة عمر بن عبدالعزيز بمثابة واحة في الصحراء الشاسعة، أو كسقوط مطر الخير على التربة القاحلة، وكانت من ألمع فترات الخلافة بالعام الهجري 91 من العهد الأموي، وعلى الرغم من عدم بقائه طويلا، فقد تحولت النظرة العامة للدولة وأفرجت عنها القوى الديمقراطية القوية وصدى رؤية الخليفة، حيث تحولت إلى واحة العمارة الحديثة.

كان الخليفة عمر بن عبدالعزيز مسؤولا وزعيما قادرا وضليعا في واجباته في هذه الدنيا وكذلك من أجل الآخرة، كان يصر على مواصلة العمل الدؤوب عندما يحثه الناس على اتخاذ بعض من الراحة، بل قيل إنه لم يستجب لهم أو لدعواتهم له بالراحة والاستجمام، وقد وضع الخليفة عمر الإدارة بنفسه باعتبارها نموذجا ليتم نسخها، وعندما نقرأ تاريخ هذا الخليفة لابد لنا أن نتذكر المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وما حققه لهذا الوطن على مدى أربعة عقود من الزمن حيث لم يتقاعس، رحمه الله، طيلة هذه المدة في واجباته تجاه الوطن، وسيظل أبد الدهر إن شاء الله مثالا يُحتذى به للأجيال المعاصرة والأجيال القادمة.

لقد كان الخليفة عمر بن عبدالعزيز لطيفا وعادلا حتى تجاه غير المسلمين، وقد عرف بـ "الموسوعة الإسلامية" وأنه كان مسلما متدينا، إلا أنه كان كريما متسامحا مع أعضاء المذاهب الأخرى وأيضا مهموما تجاههم، وقد سمح لأصحاب الديانات الأخرى بالاحتفاظ بكنائسهم ومعابدهم، وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر يستدعينا إلى استحضار الصورة المتكاملة للنهج الذي تتبعه قيادة هذا البلد ممثلة في جلالة الملك عاهل البلاد وسمو ولي العهد والراحل الباقي في قلوبنا صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رحمه الله، حيث إن البحرين كانت ومازالت متسامحة مع جميع الأديان الأخرى، وسمحت لهم ببناء معابدهم وكنائسهم وأداء طقوسهم بكل حرية ويسر.

خلال فترة حكم الخليفة الأموي القصيرة في عامين كانت هذه التدابير مفيدة وساهمت في استقرار الدولة والرفاهية للشعب الذي عاش في سلام وطمأنينة، حيث كان نمو الناس مزدهرا جدا وحياتهم هانئة بل كان من الصعب العثور على الشخص الذي يقبل الصدقات خلال فترة حكمه، وكانت فترة حكمه قصيرة لكنها كانت مثل مطر الرحمة الذي يجلب السلام العالمي، وكان من سماته الخاصة تقريب جميع البربر في شمال أفريقيا فضلا عن طبقة نبلاء السند الذين اعتنقوا الإسلام من تلقاء أنفسهم.

وفي هذه الأيام نستذكر الاستقرار الذي أنشأه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رحمه الله، في السنوات الأربعين الماضية، وكذلك الرؤية الاستراتيجية التي يمكن أن نرى ثمارها ولم نستطع فهمها خلال العقود التي مضت عندما وضع سموه هذه الرؤية.

كان عمر بن عبدالعزيز حاكما فريدا من نوعه في كل ما يبديه من وجهة نظر أو رأي، وكان على مستوى عال من الإدارة التي لا يمكن لأحد أن ينافسه فيها إلا الخلفاء الأربعة الأوائل من صدر الإسلام. لقد ذكر المؤرخ أمير علي "في عهد عمر الثاني" "أشكال الفترة الأكثر جاذبية لهيمنة الأمويين"، ويؤول المؤرخون على الرضا مع الارتياح في العمل وتطلعات الحاكم الذي يجعل رفاه شعبه الكائن الوحيد لطموحاته، وقد حقق خلال فترة حكمه القصيرة مجدا ليس له أي نظير.
رجل مع الكثير من المسؤوليات والقرارات والتخطيط للمستقبل، يجعلنا دون شك أمام هذه التساؤلات، كيف يمكن للرجل العادي أن يملك مواهب عديدة؟ كيف يمكن أن يكون الدافع إلى العطاء في كل يوم؟ وكيف يتذكر كل التفاصيل؟ والحقيقة أن ظاهرة الزعيم تتكرر مرة كل 12 - 13 قرنا، ونحن بحاجة لاستثمار الوقت لتحقيق الاستفادة القصوى من هؤلاء القادة وجعل هذه الحالة تظهر بلادنا وتاريخها العظيم، حيث سيستفيد منه جيلنا لعدة قرون قادمة، ولابد أن نؤكد أهمية تعزيز تفرد سمو الأمير الراحل خليفة بن سلمان آل خليفة، رحمه الله، كظاهرة فذة في المنطقة وبقية العالم، وأنا واثق بأن العديد من البلدان الأخرى اتخذت اتساع أفق سموه لتنميتها، تماما كغيرهم من الأوروبيين وما فعلوه مع العلماء العرب القدماء، لذلك حان الوقت بالنسبة لنا لاتخاذ صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان، طيب الله ثراه، مثالا وقدوة في عقولنا، وتعليمنا، واستراتيجياتنا، كأسلوب حياة وطريقة للتفكير.

ما كان لعمر بن عبدالعزيز إلا أن يكون فخورا بتسلم رؤيته من واحد من أحفاده لتتحقق بعد ذلك على أرض دلمون الطاهرة، وهناك المزيد من التركيز على تنفيذ فكر الخليفية "khalifisism" التي ذكرتها في أحد مقالاتي السابقة، وإنها لن تكون فقط خارطة الطريق التي نبذلها لعام 2030، ولكنها أيضا لـ عام 2130 وعام 2230.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .