العدد 4380
الأحد 11 أكتوبر 2020
banner
ثقافة العنف والاغتيالات والتصفيات الجسدية في العالم العربي
الأحد 11 أكتوبر 2020

التصفيات الجسدية والاغتيالات السياسية هي وسائل عنيفة غير مشروعة للتخلص من الخصم الذي تتعارض أفكاره وتوجهاته مع مصالح شخص أو فئة أو جهة معينة، وتقع في وطننا العربي بشكل خاص في إطار الصراع على السلطة. كما عُرِّفت التصفيات والاغتيالات السياسية بأنها عمليات قتل متعمدة ومنظمة تستهدف أي شخصية مهمة ذات ثقل أو تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي، ويكون مرتكزها في الغالب أسبابًا عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية.

وعلى ضوء ذلك، فإننا سنظل ندعو للسلم ولحل المنازعات والاختلافات السياسية وغيرها بالتفاهم والحوار، وبالوسائل السلمية، وعبر المؤسسات والقنوات الشرعية والدستورية، وسيبقى الأمل معقودًا على جيل اليوم الواعي المتعلم، وعلى أجيال الغد من العرب والمسلمين، للتخلي والتخلص من آفة أو ثقافة العنف والإرهاب والتصفيات الجسدية والاغتيالات السياسية التي ابتلينا بها أكثر من غيرنا من الأمم والشعوب.

ففي مثل هذا الشهر، من العام 644م أغتيل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وهو يصلي في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، ومن دون أي مقارنة بين الشخصين، وبعد مرور أكثر من 1330 سنة أغتيل الرئيس المصري محمد أنور السادات في الشهر نفسه.

وبعد اغتيال الخليفة عمر، اغتيل الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وهو يقرأ القرآن في بيته بالمدينة المنورة أيضًا، وبعده اغتيل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يؤدي صلاة الفجر في مسجد الكوفة بالعراق، ثلاثة من الخلفاءالراشدين الأربعة تم اغتيالهم وتصفيتهم جسديًا، وبذلك فقد تلطخت أيدينا كعرب ومسلمين بالدماء والعنف والاغتيالات السياسية منذ بزوغ فجر التاريخ العربي الإسلامي.

فهل هي لعنة السماء وغضبها التي حاقت بنا فجعلت بلداننا العربية خصوصًا والدول الإسلامية بشكل عام تصبح أكثر الدول التي تقع فيها الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية؟

ففي شهر يوليو من العام 1951، وعلى عتبات المسجد الأقصى، اغتيل الملك عبدالله الأول ملك الأردن وهو متوجه لأداء صلاة الجمعة، من قبل رجل من أهالي القدس، وكانت الذريعة هي منع الملك عبدالله مما أشيع عن نيته القيام بتوقيع اتفاقية سلام منفصلة مع إسرائيل، إلا أن للأقدار وللأيام حكمها وحكمتها، فبعد 43 سنة من وقوع تلك الجريمة، قام حفيده الملك الحسين بن طلال رحمه الله بتوقيع “معاهدة وادي عربة” للسلام مع إسرائيل في العام 1994، وكانت مصر قد وقعت اتفاقية (كامب ديفيد) للسلام مع إسرائيل في العام 1978، كما أن الفلسطينيين أنفسهم قد اعترفوا بإسرائيل ووقعوا معها “اتفاقية أوسلو للسلام” في العام 1993، وفي هذا العام وقعت الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اتفاقيتي سلام وتعاون مع إسرائيل؛ فالرصاص والعنف والقتل والإرهاب لا يمكنها القضاء على الأفكار أو عرقلة مجرى التاريخ أو إيقاف قاطرة السلام.

أما الاغتيال الذي هز الأمتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي فقد كان اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، ثالث ملوك أرض الحرمين الشريفين، على يد ابن أخيه فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود في شهر مارس 1975، الذي قام بإطلاق النار عليه وهو بين حرسه وسط الديوان الملكي وأرداه قتيلًا.

وقبل عامين من اغتياله، وأثناء احتدام المعارك في حرب أكتوبر 1973، وقيام الولايات المتحدة بإنشاء جسر جوي أميركي مدعوم بجسر بحري لنقل كميات هائلة من الدبابات والصواريخ وغيرها من الأسلحة والمعدات لإسرائيل، وتوفير معلومات استخباراتية لها، ما أدى إلى رفع الكفاءة التسليحية والقتالية للقوات الإسرائيلية بشكل أخل بميزان القوى في تلك الحرب، وساعد إسرائيل على دحر القوات السورية إلى حدود 1967، ووقف زحف القوات المصرية في سيناء، وإحداث ثغرة “الدفرسوار” على الضفة الغربية لقناة السويس، ومحاصرة الجيش الثالث المصري، على أثر ذلك قام الملك فيصل بوقف إمدادات النفط عن أميركا والدول الغربية في محاولة للضغط عليها للتوقف عن دعم إسرائيل.

وكان الأمير فيصل بن مساعد قد عاش في أميركا 8 سنوات قبل أن يعود إلى السعودية ليغتال عمه بعد أيام من عودته، ولم يحقق الجاني بفعلته المشينة أي هدف كان يسعى إليه، كما أن الرصاصات الثلاث التي أطلقها على الملك فيصل وقتلته لم تؤثر على مواقف وسياسات المملكة العربية السعودية المؤيدة والمساندة والداعمة ماديا وسياسيا ومعنويًا للشعوب العربية وللشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بشكل خاص بل زادتها صلابة وتوسعا.

ومن سخرية الأقدار أن يكون يوم الانتصار في حرب أكتوبر 1973 هو نفسه اليوم الذي تم فيه اغتيال بطل الانتصار الرئيس المصري محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 في ما سمي بحادثة المنصة؛ عندما كان واقفا في استعراض عسكري احتفالًا بالانتصار الذي تحقق خلال تلك الحرب.

وقد تمت عملية الاغتيال انتقامًا من السادات لتوقيعه إتفاقية سلام مع إسرائيل في كامب ديفيد في العام 1978، وبهدف عرقلة خطة السلام وإجهاضها، إلا أن الجناة ومَن وراءهم لم يتمكنوا هنا أيضًا من تحقيق أهدافهم وبقيت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل صامدة إلى يومنا هذا.

وفي يوم الاحتفال بعيد الحب، 14 فبراير 2005 فُجع الشعب اللبناني والأمة العربية والأسرة الدولية باغتيال

رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

وقد ارتبط اسم الحريري بمرحلة إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية التي عصفت به على مدى 15 عاما، وجاء اغتياله في فترة حرجة وفي ظل توتر وتأزم في علاقات الحريري وأنصاره بالنظام السوري، ومطالبتهم السوريين بتخفيف قبضتهم وانهاء تحكمهم في كل المسارات والمفاصل السياسية اللبنانية؛ الذي كان مُعَززًا بوجود عسكري للجيش السوري على الأرض اللبنانية، في تلك الفترة كان لبنان في الحقيقة يُحكم من دمشق وواقعا تحت وصايتها الأمنية والسياسية .

وبقرار من مجلس الأمن الدولي، وبعد عامين من اغتيال الحريري، شُكلت محكمة دولية خاصة بهذه القضية التي وجهت الاتهام إلى 4 من أعضاء (حزب الله)، تمت محاكمتهم غيابيا.

وبعد نحو 13 عاماً على تأسيسها، و6 سنوات من المداولات، وبتكلفة 600 مليون دولار (دفع لبنان الغارق في أزمة مالية جزءا منها)، أصدرت المحكمة في شهر أغسطس الماضي حكمها بإدانة واحد فقط من المتهمين، وبرأت ساحة الثلاثة الآخرين، ونفت وجود أي أدلة على تورط حزب الله أو سوريا  في عملية الاغتيال.

وبهذا أسدل الستار على جريمة اغتيال الحريري وتصفيته كخصم سياسي من قبل مناوئيه. إلا أن تلك الجريمة أدت منذ البداية إلى خلاف ما ابتغاه الجناة؛ إذ تم على أثرها تصفية الوجود العسكري السوري وتقليص نفوذها السياسي في لبنان.

إن المساحة المتاحة على هذه الصفحة لا تتسع للتوقف عند عدد أكبر من محطات العنف والاغتيالات السياسية البشعة والتصفيات الجسدية المروعة التي راح ضحيتها زعماء ومفكرين وقادة سياسيين وعسكريين عرب خلال العقود الأخيرة من تاريخنا الحديث؛ ولكننا نرغب في المرور بشكل خاطف على بعضها؛ مثل اغتيال الملك فيصل الثاني ملك العراق وأفراد أسرته ورموز حكمه في أكثر جرائم الاغتيال وحشية وهمجية التي وقعت ضمن أحداث الانقلاب العسكري للعام 1958، ثم لاحقًا اغتيال موجه تلك الجريمة و قائد الانقلاب الرئيس عبدالكريم قاسم في العام 1963، لتستمر سلسلة الاغتيالات والانقلابات والإعدامات في العراق الجريح.

وقد اغتيل الرئيس السوري أديب الشيشكلي في العام 1964، والرئيس اللبناني بشير الجميل في العام 1982, ورينيه معوض رئيس لبناني آخر اغتيل في العام 1989، والرئيس الجزائري محمد بوضياف الذي اغتيل على يد أحد حراسه في شهر يونيو 1992، واثنين من رؤساء اليمن الشمالي إبراهيم الحمدي في العام 1977، وأحمد الغشمي في العام 1978، وعلي عبدالله صالح رئيس الجمهورية اليمنية (الموحدة) في العام 2017 بعد تنحيه عن الحكم، ولا يجب أن ننسى الرئيس الليبي معمر القذافي في العام 2011.

وليس بوسعنا، في هذا الحيز، التطرق إلى الأدباء والكتاب والمفكرين الذين تم اغتيالهم وتصفيتهم وسنخصص لهم وقفات أخرى في المستقبل القريب إن شاء الله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية