العدد 4359
الأحد 20 سبتمبر 2020
banner
الذكرى الأربعون للحرب العراقية الإيرانية.. بين حكمة الملك فهد وتهور صدام
الأحد 20 سبتمبر 2020

بعد يومين تمر الذكرى الأربعون لنشوب الحرب العراقية الإيرانية التي وقعت في العام 1980، التي سميت فيما بعد بـ ”حرب الخليج الأولى”.

وفي علوم السياسة وفنون الحرب ثمة نظريتان أو وجهتا نظر متقابلتان ومتناقضتان ظلتا مثار نقاش وجدل بين القادة والساسة والمفكرين؛ الأولى تقول إنّ من الأفضل أن تهاجم عدوك وهو في حالة انقسام وتفرق وتشتت واختلاف، والثانية ترى أنّ من الأجدى والأكيس ألا تهاجم عدوك وهو على تلك الحالة؛ فذلك سيدعوه ويجعله يتجاوز خلافاته ويرص صفوفه ويتوحد خلف قيادته بقناعة أرسخ وإيمان أعمق وبحماس أصلب لمواجهة المعتدي والدفاع عن الوطن.

الرئيس صدام حسين كان من أتباع النظرية أو وجهة النظر الأولى؛ فبعد قيام الثورة الإيرانية، وانهيار نظام الشاه، وتسلم الإمام الخميني زمام السلطة في إيران في شهر فبراير 1979، بدأت العلاقات تتأزم وتتوتر بينه وبين قادة إيران الجدد عندما استشعر خطر اندلاق زخم الثورة الإيرانية إلى داخل حدود بلاده، واستفزته شعارات تصديرها، ومحاولات إيران التدخل في الشؤون الداخلية للعراق ما أدى إلى وقوع مناوشات واشتباكات عسكرية متقطعة على الحدود بين البلدين.

في ذلك الوقت وفي تلك الظروف اتصل صدام حسين بالملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، ليخبره بأنه قرر شن حرب على إيران لوضع حد لتهديداتها، ووقف محاولات بسط نفوذها على بلاده، مستفيدًا من حالة الانقسام والتشرذم والتفكك التي كانت إيران تشهدها في ذلك الوقت، وقبل أن تشتد شوكة نظام الخميني، وإنه واثق من أنه لن يكون ثمة وقت أو ظرف أفضل من الآن لشن الحرب وكسبها وتلقين الإيرانيين درسًا.

وفي مقابلة تلفزيونية موجودة على موقع “يوتيوب” أجرتها إحدى محطات التلفزة العربية مع الأمير تركي بن فيصل آل سعود، أكد الأمير أن الملك فهد “نصح صدام بأن يترك الأمور عند المناوشات الحدودية، ولا يدخل الأراضي الإيرانية، فإيران في حالة فوضى بعد الثورة، جيشهم وسياستهم في حالة فوضى، دعها وشأنها، الإيرانيون منهمكون في مقاتلة بعضهم بعضًا، لكن إذا دخلت أرضهم فإنك ستوحدهم، وستقاتل بلدا فيه 60 مليون نسمة، ومقدرات وفيرة، وقدرة على تحمل حرب استنزاف طويلة، وذلك ليس في مصلحتك ولا في مصلحتنا... لكنّ صدام أصر على القول إنه سيمضي حتى يصل إلى طهران”.

وبالفعل، لم يأخذ صدام بنصيحة الملك فهد، فنشبت الحرب؛ واجتاحت القوات العراقية الحدود الإيرانية في 22 سبتمبر، وأخذت تتوغل بسرعة داخل الأراضي الإيرانية، وفي سرعة لافتة تخلى المعارضون الإيرانيون عن معارضتهم للنظام، وتناسوا خلافاتهم ووضعوها جانبًا، واصطفوا وراء قيادة الخميني، وسارعت القوات الإيرانية بدفع وحداتها إلى الجبهة، وإعادة تنظيم صفوفها، وتم الإفراج عن ضباط الجيش الإيراني المعتقلين وإرسالهم فورا للالتحاق بوحداتهم على جبهات القتال. فتمكنت المقاومة والدفاعات الإيرانية من توقيف زحف القوات العراقية في 7 ديسمبر 1980، بعد أن احتلت أكثر من 15000 كيلومتر مربع من الأراضي الإيرانية، عندها بدأت موازين الحرب تنعكس؛ واستطاع الإيرانيون استعادة كل الأراضي التي فقدوها بحلول يونيو 1982، وصار صدام في موقف دفاعي، وبدأ يعرض وقف إطلاق النار.

وفي منتصف ذلك الشهر انقلب الوضع رأسًا على عقب وعبرت القوات الإيرانية الحدود العراقية في محاولة منها لاحتلال مدينة البصرة؛ ودارت معارك بين الطرفين حول المدينة اعتبرت من أكبر المعارك البرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن إيران لم تتمكن في النهاية من تحقيق أهدافها.

يقول الأمير تركي: “صدام أبلغ الملك فهد بعد مرور ثلاث سنوات من اندلاع الحرب؛ ليتني سمعت نصيحتك لأنني أريد الآن فض الاشتباك”.

لقد صدقت نبوءات وتوقعات الملك فهد رحمه الله؛ فقد أيقظت الحرب واستفزت الروح الوطنية عند الإيرانيين، وأدت إلى إذكاء تعبئة قومية شاملة لديهم، واستطاع النظام ترسيخ وتثبيت أقدامه، فظلت رحى الحرب تدور بضراوة بين الطرفين لثماني سنوات، وأطلق عليها العراقيون “قادسية صدام”، رغم أن حرب القادسية الحقيقية التي وقعت قبل أكثر من 1380 عاما، لم تدم لأكثر من 4 أيام، حقق فيها المسلمون انتصارًا ساحقا على الفرس، وكانت إيذانًا بزوال الإمبراطورية الساسانية، ووقوع بلاد فارس تحت الحكم العربي الإسلامي.

حرب الخليج الأولى صارت من أكثر الصراعات العسكرية دموية، وأطول نزاع عسكري في القرن العشرين، أحدثت أضرارا اقتصادية بالغة وتدميرا واسعا للبنية التحتية للبلدين، وخلفت نحو مليون قتيل من الجانبين، وأضعاف هذا العدد من المصابين والمعاقين، وبلغت خسائرها المالية أكثر من 400 مليار دولار أميركي في ذلك الوقت.

وللأسف الشديد، فإن أيًّا من البلدين لم يحقق أي شيء من الانتصار فيها، والأدهى من ذلك فإن أيًا منهما لم يستوعب العبرة أو يتعلم الدرس، فبعد انتهائها بعامين ارتكب صدام خطأ أكثر جسامة، وحماقة أكبر فداحة، عندما احتل الكويت في العام 1990، كما أن السلوك الإيراني التوسعي في المنطقة لم يتغير منذ ذلك الوقت؛ ولذلك فإن أيًا من الدولتين وشعبيهما لم يذوقوا طعم الأمن والاستقرار منذ بدء حرب الخليج الأولى، قبل أربعين عاما، وحتى اليوم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .