العدد 4327
الأربعاء 19 أغسطس 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
حتى لا نفنى بعد وقت قصير
الأربعاء 19 أغسطس 2020

بهذا الوقت ومع تشابك المصالح والإرادات، وتقاطر الأزمات والمحن بالدول والشعوب التي لا تتمتع بالوعي ولا الوقت والفهم، فإن الثقافة الملاذ الأخير، بعيدًا عن السياسة التي أرهقت كلّ من له علاقة ومن لا علاقة له بها، من شأن الثقافة لو توفر لها المناخ والبيئة الحاضنة التي تدرك مضمون الثقافة منزوعة التضارب حتى لا تكون وجها آخر من العملة للسياسة، فيمكن أن يؤدي توطينها في البيئة إلى إحياء حضارة إنسانية بغاية النضج والارتقاء، تسهم برقي الشعوب وانتشالها من الجهل والفاقة الفكرية التي غرستها السياسة طوال عقود طويلة جعلت من بعض هذه الشعوب قطاعا يستفيد منه أصحاب المصالح وذوو البشرة الحمراء الذين يتحكمون بدفة الدول.


الهجرة إلى الثقافة، فن وأدب وفكر وموسيقى، راقية بالطبع، وفتح قنوات ثقافية مطلة على الحياة وغرس هذه البذور في المجتمعات التي تعاني من الفقر الثقافي يمكن أن يرتقي بالوعي وينمي العقل ويزيح الجهل من أروقة كثير من الدول التي ترزح تحت وطأة التخلف. إن غياب الثقافة وبالشكل الراقي أحد أسباب رؤيتنا لهذا التجهم على وجه الدول والشعوب التي تواجه اليوم أزمة وعي جعلتها تدخل حروبا وصراعات طائفية ومذهبية وسياسية، وكل ذلك تقف وراءه طبقات سياسية مستفيدة من هذه الأكوام من التخلف، هل رأيت أمة تعشق الأدب والثقافة والفن وتستمع إلى الموسيقى الراقية يتحارب سكانها ويقتتلون مع بعضهم البعض؟ هل رأيت أمة تعشق المسرح والسينما وتقرأ الأدب وتهتم بالفلسفة تسفك دماء بعضها؟

ربما تكون هناك استثناءات وربما تحصل بعض المواجهات بحكم تدخل السياسة، لكن سرعان ما يعود الوعي لمثل هذه الأمم لتعيش بسلام وفي رخاء لا تعكره المذابح على طريقة داعش والحشد الشعبي.


ربما تبدو دعوتي للثقافة بهذا الوقت المشحون بالأزمات والاحتقان، دعوة مثالية لا تتلاءم مع إيقاع الزمن الراهن الذي يشهد تغلب السياسات على كلِّ شيءٍ وسيطرة السياسيين على الشعوب وتحكم الطبقات السياسية بمصير البشر، فيقودونهم كالخرافِ الضالة، يقتتلون على المذهب والطائفة والدين، وحتى على افتراض نهجنا نحو الثقافة أخشى ما أخشاه، سيطرة السياسيين أو مدعي المعرفة على عالم الثقافة وبالتالي تفسد السياسة ومعها الثقافة وتفسد الشعوب اللاهية مع الشعارات والخطب الرنانة ولا يدوم لنا بعالمنا العربي سوى الحروب فيما بيننا.

تنويرة: الصمت وقت الضوضاء أقوى تعبير عن الرأي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .